عقاباً على مخالفته ، لأنه من العقاب من دون بيان وهو أمر قبيح.
ومنها : قوله عزّ من قائل ( قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (١) بدعوى أن الإطاعة لا تتحقق إلاّ بقصد الأمر والامتثال ، ولا تصدق مع الإتيان بذات العمل مجرداً عن ذلك ، فمقتضى الآية المباركة أن الإطاعة وقصد القربة والامتثال واجبة في كل واجب إلاّ ما خرج بالدليل ، هذا.
والإنصاف أن الآية المباركة لا دلالة لها على المدعى ، لأن الاستدلال بها يتوقف على أمرين :
أحدهما : إثبات أن الأمر بالإطاعة أمر مولوي وليس إرشاداً إلى ما استقل به العقل من وجوب طاعة المولى سبحانه ، لأنه إذا كان إرشادياً لم يترتب عليه إلاّ ما كان يترتب على نفس الإتيان بالواجبات الشرعية في نفسها ، فلا بدّ من لحاظ أن الأمر بها هل يقتضي التعبدية حتى يكون طاعته بالإتيان بها متقرباً إلى الله سبحانه أو أنه لا يقتضي التعبدية فلا يعتبر في إطاعته سوى الإتيان بها بذاتها.
وثانيهما : إثبات أنه أمر غيري وليست الإطاعة واجبة بالوجوب النفسي ، وهذا بعد إثبات أن الأمر بها أمر مولوي ، فيثبت أن الأمر بها من باب المقدمة ، لأن قصد الأمر والتقرب جزء من الواجبات ، فإن الأمر الغيري لا يعقل إلاّ في الشرائط والأجزاء ، ولأجله أمر بها بالأمر المولوي الغيري ، وهو يدلّنا على أن قصد التقرّب جزء معتبر في التكاليف فيتقيد به إطلاق أدلة الواجبات ، وأما إذا كانت الطاعة واجبة بالوجوب النفسي فهي إذن من إحدى الواجبات الشرعية وفي عرضها ، فلا دلالة لها على اعتبار قصد التقرب في الواجبات ، وأنّى للمستدل باثباتهما ، وذلك لأن الأمر بالطاعة فيها إرشاد إلى ما استقل به العقل من لزوم طاعة المولى جلت عظمته ، ومعه لا يترتّب عليه إلاّ ما يترتّب على نفس الأمر بالواجبات ، ولو لا هذا الأمر بالطاعة أيضاً ، كنّا نلتزم بوجوب الطاعة للمولى سبحانه بمعنى لزوم الإتيان بالواجبات
__________________
(١) النور ٢٤ : ٥٤.