والامتثال ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد ، وذلك لأن ظاهر الآية المباركة أن العبادة غاية لأوامر الله سبحانه كما أنها غاية لخلقه على ما صرح به في قوله عزّ من قائل ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) (١).
إذن العبادة هي الغاية القصوى لكل من التكوين والتشريع ، حيث إنه سبحانه خلقهم وأرسل إليهم رسله بعد ذلك ليعبدوه والعبادة موجبة لاستكمال النفوس ، فالغاية لكل من التكوين والتشريع هو استكمال النفس بالعبادة ، وعليه فلا دلالة للآية المباركة على اعتبار قصد التقرب في الواجبات إلاّ ما خرج بالدليل.
ثم إن الآية المباركة إنما تعرّضت لخصوص الصلاة والزكاة حيث قال عزّ من قائل ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) (٢) إشارة إلى الكمال النفسي وما فيه المصلحة العامة للمكلّفين لأن الصلاة فارقة بين الكفر والإسلام ، والزكاة فيها مصلحة عامة ومن إعاشة الفقراء بامداد غيرهم ، فكأن الآية والله العالم قد بينت أنهم أُمروا لغاية استكمال النفس وما فيه المصالح العامّة ، وأن أحدهما غير منفك عن الآخر ، ومن هنا لا نذكر مورداً ذكر فيه الأمر بالصلاة من دون اقترانها بالزكاة ، هذا.
ثم لو تنازلنا عن ذلك وبنينا على أن اللاّم بمعنى الباء والعبادة متعلقة للأوامر لا أنها غاية لها ، فأيضاً لا يمكن الاستدلال بها على هذا المدعى ، وذلك لأنها إنما تدل على أن العبادة لا بدّ أن تكون منحصرة بالله سبحانه ولا عبادة لغيره من الأوثان ونحوها وهذا لقرينية صدرها ، حيث ورد في المشركين وأهل الكتاب ( وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) (٣) أي وما تفرق أهل الكتاب ، ولم يعبد بعضهم عزيراً بدعوى أنه ابن الله ، وبعضهم قال عيسى ابن الله إلاّ من بعد ما جاءتهم البيِّنة. وقال قبل ذلك : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ
__________________
(١) الذاريات ٥١ : ٥٦.
(٢) البيّنة ٩٨ : ٥.
(٣) البيِّنة ٩٨ : ٤.