ويؤيِّد ما ذكرناه أنه عبّر في الرواية بالجمع حيث إنه قال : « الأعمال بالنيّات » ولم يقل الأعمال بالنية ، وذلك للدلالة على أن الدواعي مختلفة فربما يكون الداعي حسناً وربما يكون قبيحاً وثالثة لا يكون حسناً ولا قبيحاً ، كما إذا شرب الماء بداعي رفع العطش ولم يشربه بداع آخر ، فيصح أن يقال الأعمال بالنيّات لاختلاف الأفعال بحسب اختلاف الدواعي.
فالمتحصل من ذلك : أنه لا دليل على أن الأصل في كل واجب أن يكون قربيّاً عباديا ، بل لا بدّ من مراجعة أدلته ، فإن دلت على اعتبار قصد القربة والامتثال فيه فيكون عباديا وإلاّ كان توصلياً يسقط أمره بمجرد الإتيان به ، وقد عرفت أن مقتضى الارتكاز المتشرعي أن الوضوء واجب عبادي فيعتبر في صحته أن يؤتى به بداعي القربة والامتثال.
ثم إن شيخنا الأُستاذ قدسسره (١) عند استدلاله على أن العبادة لا يعتبر فيها خصوص قصد الامتثال بل يكفي في العبادية أن يؤتى بالعمل ويضاف إلى الله سبحانه نحو اضافة تمسك بقوله عليهالسلام في الوضوء « يأتي به بنية صالحة يقصد بها ربّه » (٢) وهذه الرواية لم نعثر عليها في أبواب الوضوء ولا في غيرها من سائر الأبواب فليلاحظ.
__________________
(١) فوائد الأُصول ١ ٢ : ١٥١.
(٢) الرواية بتلك الألفاظ التي نقلناها عنه قدسسره غير موجودة في كتب الحديث ، نعم روى مضمونها في الوسائل في حديث : « إن العبد ليصلي ركعتين يريد بهما وجه الله عزّ وجلّ فيدخله الله بهما الجنة » المروية في الوسائل ١ : ٦١ / أبواب مقدمة العبادات ب ٨ ح ٨. أيضاً روى عن يونس بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب ، فقال : إذا كان أول صلاته بنيّة يريد بها ربّه فلا يضره ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخسأ الشيطان » رواها في الوسائل ١ : ١٠٧ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٤ ح ٣ فلاحظ فكلمة صالحة غير موجودة في الرواية ولفظة « قصد » مبدلة بلفظة يريد ، كما أنها واردة في الصلاة دون الوضوء وهو قدسسره أيضاً لم يدع ورودها في الوضوء ، فاستدلاله قدسسره تام في نفسه إلاّ أن استشهاده بتلك الرواية غير صحيح ، لأنه مبني على الاشتباه.