دون أن يقصد غاية مترتبة على ذلك الفعل ، والغاية المترتبة على الفعل إما أن لا تكون عائدة إلى نفس الفاعل وإنما تعود إلى المعبود فقط ، فيأتي بالعبادة لأنه أهل لها ولا ينظر إلى الحور أو القصور ولا له طمع في الجنة ولا أنه يخاف من النار ولا أنه يقصد شيئاً من المنافع الدنيوية أو الأُخروية من عمله ، وهذا القسم من العبادة إنما تتأتى من المعصومين عليهمالسلام وأما من غيرهم فلا يمكن التصديق بتحققها ، نعم هي من الأُمور الممكنة والمحتملة ، وقد حكي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : « ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » وقد رواها المجلسي في مرآة العقول (١) ولعلّها من الأخبار الواردة عن طرق العامّة ومن هنا لم نعثر عليها في رواياتنا ولم يرد من طرقنا إلاّ في الكتاب المذكور.
وإمّا أن تعوّد الغاية إلى نفس الفاعل وهي على قسمين : لأن القوى الكامنة في الإنسان قد يلائم شيئاً مترتباً على العبادة فيأتي بها للتوصل إلى وجود ذلك الشيء الملائم له كدخول الجنة أو الحور أو القصور ، وقد لا يلائم شيئاً فيأتي بالعبادة للتوصل بها إلى التباعد عن ذلك الشيء كالنار والعقوبة ، هذا فيما يرجع إلى الأُمور الأُخروية. وكذلك الحال فيما يرجع إلى الأُمور الدنيوية فإنه ربما يأتي بالصوم أو الصلاة أو زيارة الحسين عليهالسلام ليتوصّل بذلك إلى المال أو الولد أو الصحة والشفاء من المرض أو غير ذلك من الأُمور. وقد يأتي بالعبادة للتوصل بها إلى عدم زوال ملكه ونعمه فيصلِّي لله شكراً لئلاّ يذهب ماله ويزول ملكه.
وقد أشار عزّ من قائل إلى جميع أنحاء الغايات المترتبة على العبادة في سورة الفاتحة بقوله ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) فأشار بالجملة الاولى إلى كماله الذاتي حيث أتى بكلمة « الله » أعني الربوبية لكل شيء ، وبهذا الكمال الذاتي استحق العبادة وصار أهلاً لها. ثم أشار إلى رأفته ورحمته بقوله ( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) وقد دلّ ذلك على أن بعبادة الله عزّ وجلّ يمكن أن يصل الإنسان
__________________
(١) مرآة العقول ٨ : ٨٩ ، الوافي ٤ : ٣٦١.