وأمّا فيما إذا كان الواجب أو المستحب متميزاً في نفسه أو لم يكن على ذمة المكلف واجب آخر غيره ، فلا دليل على اعتبار نيّة الوجوب أو الندب لا من العقل ولا من الشرع.
أمّا العقل ، فلأنه لا سبيل له إلى استكشاف مدخلية تلك الأُمور في الأحكام وعدمها.
وأمّا احتمال دخلها بحسب الشرع ، فان بنينا على ما بنينا عليه في محله من إمكان أخذ قصد الأمر وتوابعه مما ينشأ من الأمر وفي مرتبة متأخرة عنه كقصد الوجه من الوجوب أو الندب في متعلق الأمر الأول أو في متعلق الأمر الثاني كما بنى عليه المحقق النائيني قدسسره (١) أو فرضنا الكلام في القيود التي لا استحالة في أخذها في المتعلق كقصد المصلحة أو الرفع والاستباحة أو قصد موجب الوضوء أو قصد الغاية ، فيندفع بإطلاق الأمر الأوّل أو الأمر الثاني ، لأنه سبحانه أمر بغسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين في كل من الكتاب والسنة ، ومقتضى إطلاقهما عدم اعتبار شيء مما يحتمل دخله في الواجب وهو الوضوء ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أن الأمر بذلك إرشاد إلى اشتراط الصلاة بالوضوء ، ولم يقيد الوضوء بشيء من نيّة الوجوب أو الندب لا وصفاً ولا غاية ، كما أنه غير مقيد بنيّة وجه الوجوب أو غيره مما قدمناه ذكره ، فمقتضى إطلاق الكتاب كإطلاق السنة والروايات عدم اعتبار شيء من ذلك في صحة الوضوء.
نعم ، خرجنا عن إطلاقهما في الحكم باعتبار نيّة القربة وقصد الامتثال بالارتكاز المتشرعي المتأكد ببعض الروايات.
وأمّا إذا قلنا باستحالة ذلك وعدم إمكان أخذ قصد الأمر وتوابعه في متعلق الأمر الأوّل ولا الثاني ، وبنينا أيضاً على وجوب تحصيل الغرض كما بنى عليه صاحب الكفاية قدسسره (٢) فمقتضى ذلك وإن كان هو الالتزام باعتبار كل ما يحتمل
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٦٥ ، أجود التقريرات ١ : ١١٥.
(٢) كفاية الأُصول : ٧٤.