الوجه واليدين أيضاً هو المسح ، كيف وهو على خلاف ما نطق به الكتاب ودلت عليه السنة القطعية ، لدلالتهما على أن الوضوء غسلتان ومسحتان وأن الغسل معتبر في الوجه واليدين كما يعتبر المسح في الرأس والرجلين ، فللمسح موارد معيّنة ولا يجزي في غيرها أعني الوجه واليدين ، بل لأن الواجب فيهما إيصال النداوة إلى البشرة وحيث إن ذلك لا يتحقق في الغالب بل الدائم إلاّ بالمسح ، فيكون المسح مقدمة لما هو الواجب في الوجه واليدين ، والدليل إنما دلّ على أن المسح ليس بواجب فيهما ، ولم يدلنا أيّ دليل على حرمته حتى لا يجوز الإتيان به مقدمة لتحقق ما هو الواجب في الوجه واليدين.
وقد يستدل على هذا الاحتمال بعدة من الأخبار الكثيرة التي فيها الصحيحة والموثقة ، الدالة على أن الوضوء يكفي فيه مسمى الغسل ولو مثل الدهن منها : صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ، وأن المؤمن لا ينجّسه شيء ، إنما يكفيه مثل الدهن » (١) ومنها : موثقة (٢) إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهالسلام « أن عليّاً عليهالسلام كان يقول : الغسل من الجنابة والوضوء يجزئ منه ما أُجزي من الدهن الذي يبل الجسد » (٣) ومنها غير ذلك من الروايات.
ولكن الاستدلال بهذه الروايات يتوقف على أن يكون وجه الشبه في تشبيه الماء بالدهن كفاية البلة والنداوة الواصلة إلى البشرة ، ولو بإمرار اليد عليها وجريانه وانتقاله من جزء إلى جزء آخر ، فتدلنا هذه الروايات على أن هذا المقدار من البلة المائية كاف في صحة الوضوء ، إلاّ أنه لم تقم أية قرينة في شيء من الأخبار المتضمنة للتشبيه على أن ذلك هو وجه الشبه بينهما ، بل من المحتمل القوي أن يكون وجه الشبه
__________________
(١) الوسائل ١ : ٤٨٤ / أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ١.
(٢) عدّ هذه الرواية موثقة باعتبار أن غياث بن كلوب الواقع في سندها وإن لم يوثق في الرجال ولكن الشيخ [ في العدّة ١ : ٥٦ السطر ١٢ ] نقل أن الطائفة قد عملت برواياته.
(٣) الوسائل ١ : ٤٨٤ / أبواب الوضوء ب ٥٢ ح ٥.