الأخذ بالمقدار المتيقن منه ، وهو ما يمنع عن وقوع حس البصر على البشرة دائماً ، وأما في غيره فيرجع إلى العموم أو الإطلاق ، ومقتضاهما كما عرفت إنما هو وجوب غسل البشرة ، ففي موارد الشبهة لا بدّ من غسل البشرة حسبما تقتضيه المطلقات ، كما يجب غسل الشعر أيضاً بمقتضى ما قدمناه من الدليل ، وإن لم يكن محيطاً بالوجه.
وأمّا في الشبهات المصداقية ، فلمكان المطلقات ، وهذا لا لأجل التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية ، بل لأجل استصحاب عدم إحاطة الشعر بالوجه ، ولا سيما بملاحظة أنه من الاستصحاب النعتي دون المحمولي ، أعني استصحاب العدم الأزلي حتى يقال إنه مبني على القول بجريان الأصل في الأعدام الأزلية ، وذلك لأن شعر كل إنسان حتى بعد إنبات لحيته لا يكون محيطاً بوجهه من الابتداء ، بل هو مسبوق بعدم الإحاطة أوّلاً ، والأصل عند الشك أنه كما كان ، وبعد ذلك تشمله الإطلاقات الدالة على أن الوجه إذا لم يحط به الشعر وجب غسله ، كما يجب غسل الشعر لما تقدم.
فالمتحصِّل أنه في جميع الصور المتصورة في المسألة لا بدّ من غسل كل من الوجه والشعر إلاّ في صورة واحدة ، وهي ما إذا كان الشعر محيطاً بالوجه ، لما عرفت من أن غسل البشرة والوجه غير واجب وقتئذٍ ، هذا.
ثم لا يخفى الفرق الواضح بين ما ذكرناه في المقام وما اعتمد عليه جملة من الأعلام ومنهم المحقق الهمداني قدسسره من العلم الإجمالي بوجوب غسل الوجه إذا لم يكن الشعر محيطاً ، أو بوجوب غسل الشعر إذا كان محيطاً ، ومقتضى العلم الإجمالي بوجوب أحدهما هو الاحتياط وغسل كل من البشرة والشعر (١).
والفارق هو أنّا إذا قلنا بوجوب غسل كل من الوجه والشعر بأصالة الاشتغال لم يجز له أن يتمسح ببلة شيء منهما ، لعدم العلم بكونه بلة الغسل المأمور به ، فان ما وجب غسله على المكلف إنما هو أحدهما لا كلاهما ، فأحدهما الآخر غير واجب الغسل ولا يجوز التمسح ببلته ، وحيث إنه غير معلوم فلا يجوز للمكلف أن يتمسح
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٣٩ السطر ١٩.