الهمداني قدسسرهما (١) وهي إن ثبتت وتمت فلا كلام ، ولكن الخطب كل الخطب في ثبوتها ، فلا بدّ من ملاحظة أنها ثابتة أو غير ثابتة ، وملاحظة ذلك هي العمدة في المقام.
والظاهر أن السيرة غير ثابتة ، وذلك لأن الناس في عدم اعتنائهم باحتمال الحاجب مختلفون ، فجملة منهم لا يعتنون باحتماله من جهة غفلتهم عن أن في أبدانهم حاجباً ومع الغفلة لا احتمال ولا شك حتى نعتني به أو لا نعتني به ، إذن فعدم اعتنائهم بالشك من باب السالبة بانتفاء موضوعها ، ومن الظاهر أن هذا القسم خارج عن محل الكلام ، لأن الدليل إنما هو جريان سيرتهم على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب عند الشك والاحتمال لا عند الغفلة وعدم الاحتمال.
وجملة منهم لا يعتنون باحتماله من جهة الاطمئنان بعدم طروء الحاجب على أبدانهم أو مواضع وضوئهم ، فلا يشكون في وجود الحاجب ولا يحتملونه احتمالاً عقلائياً حتى يعتنى به ، وإن كان الاحتمال الضعيف موجوداً ، وهذا أيضاً أجنبي عمّا نحن بصدده.
وجملة ثالثة لا يطمئنون بعدمه ولا يغفلون عنه ، بل يشكون ويحتملون وجوده ، ولم يثبت لنا أن المتدينين من هذا القسم الثالث لا يعتنون باحتمالهم وشكهم ، هذا والسيرة دليل لبي لا بدّ من اليقين به ولا علم لنا بثبوت السيرة في هذه الصورة.
ومن هنا ذكر شيخنا الأنصاري قدسسره أنه لو ثبتت سيرتهم على عدم الاعتناء بالشك في وجود الحاجب للزم أن لا يعتنوا باحتمال مثل وجود القلنسوة على رؤوسهم أو ثوب على أعضائهم أو جورب في أرجلهم ، مع أنه مما لا يمكن التفوّه به (٢)
فالمتحصل أن السيرة من أهل النظر وغير المقلدة على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب غير ثابتة ، وأما المقلدة فلا يمكن الركون على عملهم وسيرتهم ، لاحتمال تقليدهم وتبعيتهم في ذلك لمن يرى تمامية السيرة كصاحب الجواهر والمحقق
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٨٣ السطر ٣.
(٢) كتاب الطهارة : ١٤١ السطر ٢٢.