وهذا أمر لا يصلح لرفع اليد بسببه عن ظواهر الأخبار المذكورة. إذن لا مناص من حملها على الوجوب لأن مقتضاها وجوب النفض ، ومعه لا يعتنى بالأخبار المطلقة غير المشتملة على النفض لوجوب تقييدها بالمقيّدات الآمرة بالنفض ، ومعه تدلّنا الأخبار الآمرة به على اعتبار العلوق في التيمّم.
نعم اعتبار العلوق فيه مختص بحال التمكّن منه ، فإذا لم يتمكّن من التيمّم بما فيه علوق لعدم وجوده يسقط اعتباره لا محالة ويكتفى بما ليس فيه علوق كالحجر ونحوه.
ويدلّنا عليه ما ورد في الأخبار المشتملة على الأمر بالنفض أو الأمر بالتيمّم على أجف موضع يجده (١) فتدلّنا هذه الأخبار على أنّ التيمّم بما فيه علوق كالتراب مختص بحال التمكّن دون ما إذا لم يتمكّن منه ، فإنّه يجوز حينئذ أن يتيمّم بالمكان الرطب أيضاً ومن هنا اكتفى القائل باعتبار العلوق بالتيمّم بالحجر ونحوه عند عدم التمكّن من التراب هذا.
ويمكن أن يورد على ما ذكرناه في المقام بأنّكم قد التزمتم في الإقامة وأمثالها ممّا ورد الأمر بها في غير واحد من الأخبار المعتبرة بالاستحباب ، نظراً إلى أن ذهاب الأصحاب فيها إلى الاستحباب قرينة واضحة على عدم إرادة الوجوب من الأخبار الآمرة بها ، حيث إنّها من المسائل عامّة البلوى ، ولو كانت واجبة لبان وجوبها واشتهر فتكون الشهرة على خلاف الوجوب في مثلها أقوى دليل على الاستحباب وعدم الوجوب.
وعليه لا بدّ في المقام من الالتزام بذلك ، لما تقدّم من أنّ الشهرة على خلاف الوجوب ، وحيث إنّها من المسائل عامّة البلوى فلا مناص من حمل الأخبار الآمرة بالنفض على الاستحباب ، لأنّه لو كان واجباً لبان واشتهر كما ذكرتم ذلك في غير واحد من المقامات ، ومعه لا يمكن الاستدلال بتلك الأخبار على اعتبار العلوق.
ويندفع هذا بأن ما ذكرناه في الإقامة إنّما هو لكون الأصحاب بأجمعهم ذاهبين إلى استحبابها ومصرِّحين بعدم وجوبها ، وفي مثل ذلك لمّا كانت المسألة عامّة البلوى
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٣٥٣ / أبواب التيمّم ب ٩.