الأخبار الدالّة على مسلك المشهور ، وإنّما الكلام في أنّه يحمل على الاستحباب أو لا بدّ من حمله على التقيّة.
وقد تكلّمنا فيما سبق على نظائر المقام ، ولعله أشرنا إليه في أخبار البئر (١) وقلنا : إنّ التردّد بين الحمل على الاستحباب أو على التقية إنّما هو فيما إذا اشتملت الطائفتان على الحكم المولوي ، فإنّه إذا قدمنا إحداهما أمكن التردد في أُخراهما بين الأمرين حينئذ فيجمع بينهما بالجمع العرفي ويحمل الآخر على الاستحباب بأن يجعل أحدهما قرينة على إرادة الترخيص من الآخر ، ومعه يكون دليلاً على الاستحباب وهو جمع عرفي.
وأمّا إذا لم يكن شيء من الطائفتين مشتملاً على الحكم المولوي مثل المقام ، حيث إنّ السؤال في الطائفتين إنّما هو عن كيفيّة التيمّم وليستا مشتملتين على الحكم المولوي فهما متعارضتان بالتباين ، لأن إحدى الكيفيتين تغاير الكيفيّة الأُخرى كما هو واضح ولا معنى لحمل إحداهما على الاستحباب ، ولا يكون ذلك من الجمع العرفي في شيء.
إذن لا بدّ من الرّجوع إلى المرجحات. وما دلّ على مسلك المشهور موافق للكتاب ومخالف للعامّة (٢) والطائفة الأُخرى مخالفة للكتاب وموافقة للعامّة. ومع هذين المرجحين لا بدّ من الأخذ بما دلّ على مسلك المشهور وإن كان مرتبة الترجيح بمخالفة العامّة متأخرة عن الترجيح بموافقة الكتاب.
ثمّ إن كون الطائفة الثّانية موافقة للعامّة ظاهر ، لذهابهم إلى لزوم المسح من المرفقين إلى أطراف الأصابع.
وأمّا مخالفتها الكتاب فلأنّ الآية المباركة دلّت على لزوم المسح في التيمّم بالوجوه والأيدي حيث قال عزّ من قائل ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) (٣) بعطف أيديكم على وجوهكم وقراءته مجروراً كما في وجوهكم ، إذ لو كان معطوفاً على مجموع الجار والمجرور للزم قراءته منصوباً ( وَأَيْدِيكُمْ ) بالفتح.
__________________
(١) لاحظ شرح العروة ٢ : ٢٤٦.
(٢) لمعرفة فتواهم يراجع كتاب الام ١ : ٤٩ ، المحلّى ٢ : ١٥٢.
(٣) النِّساء ٤ : ٤٣.