أحدهما : أنّ اليد وإن كان لها إطلاقات متعددة ، فقد تطلق بمعنى أُصول الأصابع إلى أطرافها كما في آية السرقة ، وأُخرى : تطلق على الزند إلى أطراف الأصابع كما في آية التيمّم على ما يأتي بيانه ، وثالثة : على المرفق إلى أطراف الأصابع كما في آية الوضوء ، ورابعة : على المنكب إلى رؤوس الأصابع كما هو الشائع. إلاّ أنّ الكف ليست كذلك وإنّما لها معنى واحد وهو الزند إلى أطراف الأصابع. فتدلّنا الأخبار المذكورة على أنّهم مسحوا من الزند إلى رؤوس الأصابع أو أنّهم أمروا بمسح ذلك.
الوجه الثّاني : أن بعض تلك الأخبار اشتملت على أنّهم مسحوا بالكف اليمنى على اليسرى وباليسرى على اليمنى أو بإحداهما على الأُخرى ، ومن الظاهر أنّ المسح لا يكون إلاّ بالكف بالمعنى المتقدّم ولا يكون بالذراع فإنّه أمر غير معهود. حتّى أنّ الصدوق ووالده لا يرون المسح بالذراع ، فإذا كان الماسح هو الكف وما دون الزند كان الممسوح أيضاً كذلك ، لأنّ الكف في كل من الماسح والممسوح بمعنى واحد.
الثّاني ممّا استدلّ به على مسلك المشهور هو جملة من الأخبار المعتبرة :
منها : صحيحتا أبي أيّوب الخزاز وداود بن النعمان (١) المتقدمتان ، لدلالتهما على أنّ الذراعين ليسا بلازمي المسح كما يراه علي بن بابويه وابنه في المجالس ، فإنّه عليهالسلام مسح يديه فوق الكف قليلاً ، ولم يمسح ذراعيه.
وأظهر منهما صحيحة زرارة قال : « سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ، وذكر التيمّم وما صنع عمار ، فوضع أبو جعفر عليهالسلام كفيه على الأرض ثمّ مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشيء » (٢) لصراحتها في خلاف ما ذهب إليه ابن بابويه في المجالس وما اختاره الصدوق في الفقيه.
المناقشة فيما استدلّ به على مذهب ابن بابويه
ثمّ إن ما استدلّ به على مذهب ابن بابويه لا يمكن الاعتماد عليه في مقابل تلك
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٣٥٨ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٢ ، ٤. وقد تقدّم مضمون محل الاستدلال في ص ٢٥٨.
(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٩ / أبواب التيمّم ب ١١ ح ٥.