قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) قضية سالبة ، وظاهرها أنها سالبة مع وجود الموضوع لا أنها سالبة بانتفاء موضوعها ، والوجدان وعدمه موضوعهما الطلب فيقال : طلبت الضالة فوجدتها أو لم أجدها ، فمعنى الآية على ذلك : وإن كنتم مرضى ... وطلبتم ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ).
والجواب عنه : أن الوجدان في الآية المباركة كما مرّ بمعنى السعة والتمكّن من الاستعمال ، فيقال : فلان ذو جده أي ذو سعة وتمكن فيصير معنى الآية : أنكم إذا كنتم قادرين ومتمكنين من الماء فتوضؤوا واغتسلوا وإن لم تكونوا قادرين ومتمكنين فتيمموا ، وليس الموضوع في القدرة والتمكن هو الطلب والفحص.
وعلى الجملة : ليس الوجدان في الآية بمعنى الوجدان في قولنا : طلبت الضالة فوجدتها بل بمعنى التمكن والسعة كما عرفت.
الثالث : الأخبار الآمرة بالطلب إما مطلقاً وإما مقيداً بأن يكون بمقدار غلوة سهم أو سهمين. وسيأتي الكلام عن تلكم الأخبار قريباً إن شاء الله (١).
الرابع : وهو العمدة ، أن الطلب والفحص إنما يجبان بقاعدة الاشتغال ، وتقريب أصالة الاشتغال بتوضيح منّا : أن المكلف بعد دخول الوقت يعلم بوجوب الصلاة وبوجوب الطهارة لأجلها ، كما يعلم أن الطهارة المعتبرة في حق بعض المكلفين هي الطهارة المائية وفي بعض آخر هي الطهارة الترابية ، وحيث لا يعلم بأنه متمكن من الماء أو عاجز عنه فلا يعلم بأنه مكلف بالطهارة المائية أو الترابية مع علمه إجمالاً بوجوب إحداهما عليه ، ومعه لو لم يفحص عن الماء ويتيمم لكان امتثاله امتثالاً احتمالياً لا محالة ، لاحتمال أن يكون متمكناً من الماء واقعاً ، وحيث يبقى معه احتمال بقاء التكليف وعدم حصول الامتثال ، فالعقل يلزمه بالفحص والطلب ليظهر الحال ويكون امتثاله قطعيا.
ودعوى أن وجوب الوضوء حينئذ مشكوك فيه فتقتضي البراءة عدم وجوبه مندفعة بأنها معارضة بأصالة البراءة عن وجوب التيمّم ، كما هو الحال في بقية موارد
__________________
(١) عند التكلم في الأخبار المستدل بها على وجوب الفحص.