تلك الجهة وإنما يفحص في غيرها من الجهات ، كما لو علم عدمه في جهتين أو ثلاث جهات فحص في غيرها ، ولو علم بعدمه في مجموع الجوانب والنقاط سقط عنه الفحص مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين الحاضر والمسافر ، كان مدرك وجوب الفحص أصالة الاشتغال أو الأخبار.
كما أنه لو علم بوجوده في الزائد عن الغلوة أو الغلوتين وجب المسير إليه ، وذلك لأن مورد الرواية المحددة لمقدار الفحص بالغلوة والغلوتين إنما هو صورة احتمال الماء وأما صورة العلم به وجوداً وعدماً فهي خارجة عن موردها ، فلو علم بوجوده في الزائد عن ذلك المقدار شمله إطلاق الآية والأخبار ، لأنه واجد الماء ومتمكن من استعماله وهو مأمور بالوضوء.
نعم ذكر بعضهم أنه يعتبر في ذلك أن يكون الماء بحسب القرب على نحو يصدق على المكلف أنه واجد الماء عرفاً ، فلو كان الماء في البعد بمقدار لا يصدق عليه أنه واجد للماء عرفاً وجب عليه التيمّم لأنه فاقد له لدى العرف.
وفيه : أن المدار في وجوب التيمّم والوضوء وإن كان على صدق الواجد للماء أو الفاقد له عرفاً إلاّ أن القرب والبعد أجنبيان عن ذلك بالمرة ، لأن النسبة بين صدق الواجد والفاقد والقرب والبعد عموم من وجه ، فقد يكون الماء قريباً من المكلف لكن لا يصدق عليه الواجد لعدم تمكنه من الاستعمال ، وقد يكون الماء بعيداً عنه بمقدار السفر الشرعي أو الزائد عليه لكن يصدق عليه الواجد لتمكنه من استعماله بالمصير إليه بواسطة السيارة أو الطائرة ومعه يجب عليه الوضوء.
فالبعد والقرب ليسا دخيلين في ذلك ، بل المدار على التمكن من الاستعمال وعدمه ما دام لم يمنع عنه مانع من احتمال وجود السبع أو اللص أو كونه ضرريّاً أو حرجياً عليه أو خروج الوقت على تقدير الذهاب إليه ، فإنه في هذه الصور لا يجب عليه الوضوء والمسير إلى الماء ، بل يتعين التيمّم في حقه لا محالة.
نعم ، الظن بوجود الماء لا عبرة به لعدم اعتبار الظن شرعاً ، كما لا عبرة باحتماله في الأزيد من الغلوة أو الغلوتين ، لأن الرواية دلتنا على عدم وجوب الفحص في الزائد