وأمّا إذا بنينا على أن الأصل الجاري في المسألة هو الاشتغال والأمر بالفحص أمر إرشادي فلا يكون ترك الفحص عصياناً مطلقاً بل فيما إذا كان بحيث لو فحص وجد الماء واقعاً ، وأمّا لو كان في الواقع على نحو لم يكن واجداً للماء حتى لو فحص فلا عصيان في البين ، لعدم كونه واجداً للماء واقعاً ، نعم هي مخالفة للعقل مطلقاً ، لاستقلاله بناء على هذا على لزوم الفحص مطلقاً إلاّ أن مخالفته عند عدم كونه واجداً للماء تجرٍّ ، والتجرِّي مقابل العصيان لا أنه عصيان.
وأمّا الأمر الثاني : فإن قلنا بصحّة التيمّم فيما لو علم أنه لو طلب لعثر فلا بدّ من الالتزام بالصحّة فيما إذا لم يعلم بذلك بل احتمله بطريق أولى.
وأمّا لو لم نقل بالصحّة في صورة العلم بالعثور على تقدير الطلب فهل يحكم بصحّة التيمّم عند احتماله العثور على تقدير الطلب أم لا؟ الصحيح هو صحّة التيمّم في هذه الصورة ، وذلك لما قدّمناه (١) من أن الأصل الجاري في المقام هو استصحاب عدم وجود الماء أو عدم وجدانه ، وهو يقتضي عدم وجوب الفحص وصحّة التيمّم من غير فحص ، وإنما خرجنا عنه من جهة الأمر بالفحص في الأخبار ، فإذا سقط الأمر به بالعصيان لم يكن مانع من الاستصحاب ، وبه يثبت أن المكلف مأمور بالتيمّم فيقع منه صحيحاً وإن لم يفحص.
وأمّا في صورة العلم بالعثور عند طلبه فمقتضى القاعدة الأوّلية بطلان التيمّم وسقوط الصلاة في حق المكلف ، لأن التيمّم على ما يستفاد من الآية وحسنة زرارة وغيرهما وظيفة الفاقد للماء بالطبع لا من كان واجداً له بطبعه وإنما عجّز نفسه عنه باختياره بإهراقه أو تنجيس بدنه ليحتاج إلى تطهيره ولا يبقى له ماء يتوضأ أو غيره من الأسباب.
وهذا ظاهر بالمراجعة إلى نظائره لدى العرف ، فلو أمر المولى عبده بطبخ طعام لو قدر عليه وبشيء آخر لو عجز عنه وكان قادراً على الطبخ لكنه عجّز نفسه باختياره ليدخل في الأمر بالشيء الآخر لم يكن معذوراً لدى العرف.
__________________
(١) في ص ٧٩ ٨٠.