ومن ناحية ثالثة : أنّ الصحة والفساد وصفان إضافيان ، فيكون شيء واحد يتصف تارةً بالصحة واخرى بالفساد ، وقد تقدم الكلام من هذه الناحية في مبحث الصحيح والأعم بشكل موسع (١).
ثمّ إنّنا قد قوّينا في الدورات السابقة ما اختاره شيخنا الاستاذ قدسسره من التفصيل في المسألة ، بيان ذلك : أنّا قد ذكرنا في تلك الدورات أنّ ملاك الصحة والفساد في العبادات والمعاملات إنّما هو بالانطباق على الموجود الخارجي وعدم الانطباق عليه.
أمّا في العبادات فظاهر ، حيث إنّها لا تتصف بالصحة أو الفساد في مقام الجعل والتشريع ، وإنّما تتصف بهما في مقام الامتثال والانطباق ، مثلاً إذا جاء المكلف بالصلاة في الخارج ، فان انطبقت عليها الصلاة المأمور بها انتزعت الصحة لها وإلاّ انتزع الفساد ، ومن البديهي أنّ انطباق الطبيعي على فرده في الخارج وعدم انطباقه عليه أمران تكوينيان وغير قابلين للجعل تشريعاً ، من دون فرق في ذلك بين الماهيات الجعلية وغيرها ، فانطباق المأمور به الواقعي الأوّلي أو الثانوي أو الظاهري على الموجود الخارجي وعدم انطباقه عليه كانطباق الماهيات المتأصلة على فردها الموجود في الخارج وعدمه ، فكما أنّ الانطباق على ما في الخارج أو عدمه في الماهيات المتأصلة أمر قهري تكويني غير قابل للجعل شرعاً ، فكذلك الانطباق وعدمه في الماهيات المخترعة ، وهذا معنى قولنا : إنّ الصحة والفساد فيها أمران واقعيان وليسا بمجعولين أصلاً لا أصالةً ولا تبعاً.
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ١٥٥.