وذلك لما عرفت من أنّه فعل اختياري للشارع فلا يتوقف على شيء ما عدا إرادته واختياره. نعم ، جعله حيث كان غالباً على نحو القضايا الحقيقية فبطبيعة الحال يكون مجعولاً للموضوع المفروض الوجود خارجاً ، فإذا كان الأمر كذلك فلا محالة تتوقف فعليته على فعلية موضوعه وإلاّ لزم الخلف ، أي ما فرض موضوعاً له ليس بموضوع ، ولأجل ذلك يطلق عليه السبب تارةً ، والشرط تارة اخرى فيقال : إنّ الاستطاعة شرط لوجوب الحج ، والسفر بقدر المسافة شرط لوجوب القصر ، والبلوغ شرط للتكليف والبيع سبب للملكية وهكذا ، مع أنّه عند التحليل لا شرطية ولا سببية في البين أصلاً.
وبكلمة اخرى : أنّ الموجودات الخارجية لا تؤثر في الأحكام الشرعية وإلاّ لكانت تلك الأحكام من الامور التكوينية بقانون التناسب والسنخية المعتبر في تأثير العلة في المعلول من ناحية ، ولخرجت عن كونها أفعالاً اختيارية من ناحية اخرى. وعلى ضوء ذلك فبطبيعة الحال يكون إطلاق الشرط على موضوعاتها مبنيّاً على ضرب من المسامحة ، نظراً إلى أنّها حيث اخذت مفروضة الوجود في مقام الجعل والاعتبار فيستحيل انفكاكها عنها في مرحلة الفعلية ، فتكون من هذه الناحية كالسبب والشرط. مثلاً إذا جعل الشارع وجوب الحج للمستطيع على نحو القضية الحقيقية انتزع عنوان الشرطية للاستطاعة باعتبار أنّ فعلية وجوبه تدور مدار فعليتها خارجاً واستحالة انفكاكها عنها.
ومن هدى هذا البيان يظهر حال الأحكام الوضعية أيضاً ، تفصيل ذلك : أنّ الأحكام الوضعية على طائفتين :
إحداهما : منتزعة من الأحكام التكليفية وذلك كالجزئية والشرطية والمانعية وما شاكل ذلك.