وثانيتهما : مجعولة على نحو الاستقلال كالأحكام التكليفية ، وذلك كالملكية والزوجية والرقية والولاية وما شابه ذلك. أمّا الطائفة الاولى : فهي خارجة عن محل كلامنا في المسألة ، لما عرفت من أنّ محل الكلام فيها إنّما هو في المعاملات بالمعنى الأعم الشامل للعقود والايقاعات.
وبعد ذلك نقول : إنّا قد حققنا في محلّه (١) أنّ ما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ صيغ العقود والايقاعات أسباب للمسببات خاطئ جداً ولاواقع موضوعي له أصلاً ، كما أنّا ذكرنا أنّه لا أصل لما ذكره شيخنا الاستاذ قدسسره من أنّ نسبتها إليها نسبة الآلة إلى ذيها ، والسبب في ذلك : ما بيّناه في مبحث الانشاء والاخبار بشكل موسع (٢) ملخّصه : أنّ ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً من أنّ الانشاء إيجاد المعنى باللفظ لا واقع له أصلاً ، وذلك لأنّهم إن أرادوا به الايجاد التكويني الخارجي فهو غير معقول ، بداهة أنّ اللفظ لا يعقل أن يكون واقعاً في سلسلة علل وجوده. وإن أرادوا به الايجاد الاعتباري فيرد عليه : أنّه يوجد بنفس اعتبار المعتبر سواء أكان هناك لفظ يتلفظ به أم لم يكن ، لوضوح أنّ اللفظ لا يكون سبباً لايجاده الاعتباري ولا آلة له ، كيف فانّ الأمر الاعتباري كما ذكرناه غير مرّة لا واقع موضوعي له ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار في افق النفس ، ولا يتوقف وجوده على أيّ شيء آخر غيره. نعم ، إبرازه في الخارج يحتاج إلى مبرز ، والمبرز قد يكون لفظاً كما هو الغالب ، وقد يكون كتابة أو إشارة خارجة ، وقد يكون فعلاً كذلك ، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى : أنّا إذا حلّلنا واقع المعاملات تحليلاً موضوعياً لم نجد
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٢١٩.
(٢) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٩٧ ـ ٩٨.