بين موارد التخصيص وغيرها ، إلاّ أنّ التخصيص بالمتصل أو المنفصل يوجب تقييد مدخول الأداة ، ومن الظاهر أنّ التقييد لا يوجب كون ما يرد عليه القيد مستعملاً في غير ما وضع له أصلاً على ما سيجيء تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى.
وأمّا توهم أنّ التخصيص إذا كان راجعاً إلى تقييد مدخول أداة العموم ورافعاً لاطلاقه كان حال العام حال المطلق الشمولي في أنّ استفادة العموم منه تحتاج إلى جريان مقدمات الحكمة في مورده ، وعليه فلا وجه لما تقدّم سابقاً من تقدم العام على المطلق عند التعارض ، وبالجملة أنّ شمول الحكم لكل فردٍ من أفراد العام إن كان مستنداً إلى الدلالة الوضعية كان التخصيص الكاشف عن عدم الشمول مستلزماً لكون العام مجازاً ، وإن لم يكن الشمول المزبور مستنداً إلى الوضع ، بل كان مستفاداً من مقدمات الحكمة لم يكن موجب لتقدم العام على المطلق عند المعارضة.
فهو مدفوع بما مرّ في بحث مقدمة الواجب من أنّ إحراز لحاظ الماهية مطلقة وإن كان يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في كل من المطلق والعام ، إلاّ أنّ وجه تقدم العام على المطلق إنّما هو من جهة أنّ أداة العموم تتكفل بمدلولها اللفظي سراية الحكم بالاضافة إلى كل ما يمكن أن ينقسم إليه مدخولها ، وهذا بخلاف المطلق ، فانّ سراية الحكم فيه إلى الأقسام المتصورة له إنّما هي من جهة حكم العقل بتساوي أفراد المطلق ، وحيث ما فرض هناك عام دلّ بمدلوله اللفظي على عدم تسوية أفراد المطلق فهو يكون بياناً له ومانعاً من سراية الحكم الثابت له إلى تمام أفراده (١).
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٠٣ ـ ٣٠٦.