لا يقوم بيان ومنجّز عليه.
وأمّا البراءة الشرعية فأدلتها على تقدير تماميتها سنداً وإن كانت مطلقة وغير مقيدة بالفحص ، إلاّ أنّ إطلاقها قد قيّد باستقلال العقل بوجوب الفحص وأ نّه لا يجوز العمل باطلاقها ، وإلاّ لزم كون بعث الرسل وإنزال الكتب لغواً ، ضرورة أنّه لو لم يجب الفحص بحكم العقل والنظر لم يمكن إثبات أصل النبوة ، حيث إنّ إثباتها يتوقف على وجوب النظر إلى المعجزة وبدونه لا طريق لنا إلى إثباتها. وعلى الجملة فكما أنّ ترك النظر إلى المعجزة قبيح بحكم العقل المستقل لاستلزامه نقض الغرض الداعي إلى بعث الرسل وإنزال الكتب ، فكذلك ترك الفحص عن الأحكام الشرعية المتوجهة إلى العباد بعين هذا الملاك.
فالنتيجة : أنّ موضوع أدلة البراءة الشرعية قد قيّد بما بعد الفحص ، فالفحص في مواردها إنّما هو متمم لموضوعها ، ومن ذلك يظهر حال دليل الاستصحاب أيضاً حرفاً بحرف.
ولنأخذ بالنظر على ما أفاداه قدسسرهما بيان ذلك : أنّ هذه النظرية وإن كانت لها صورة ظاهرية ، إلاّ أنّه لا واقع موضوعي لها ، فانّ الفحص في كلا المقامين كان مرّةً عن ثبوت المقتضي والموضوع ، ومرّةً اخرى عن وجود المزاحم والمانع ، توضيح ذلك : أنّ العمومات الواردة في الكتاب أو السنّة أو من الموالي العرفية إن كانت في معرض التخصيص بحيث قد قامت قرينة من الخارج على أنّ المتكلم بها قد اعتمد في بيان مراداته منها على القرائن المنفصلة والبيانات الخارجية المتقدمة أو المتأخرة زماناً ، حيث إنّ دأبه إنّما هو على عدم بيان مراده في مجلس واحد ، أو أخّر البيان لأجل مصلحة مقتضية لذلك كما هو الحال في عمومات الكتاب ، حيث إنّ الله تعالى أوكل بيان المراد منها إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوصيائه عليهمالسلام.