شرعي إلزامي يكون دليل الحرج حاكماً عليه ، فإن كان ذلك الحكم الشرعي هو الحكم الواقعي المعلوم أعني حرمة الميتة الموجودة في البين ، ففيه أنّها ليست حرجية ، وإنّما الحرجي هو الاحتياط والجمع بين محتملاتها. ولو سلّم اتّصاف تلك الحرمة بأنّها حرجية ولو باعتبار استدعائها الاحتياط المذكور ، كان ارتفاعها موجباً للقطع بارتفاع التكليف ، ومستلزماً لارتفاع الاحتياط بالمرّة. والقول بأنّها ترتفع بمقدار اقتضاء وجوب الموافقة القطعية دون اقتضاء حرمة المخالفة القطعية ، ممّا لم يظهر وجهه وانطباقه على الصناعة ، فإنّ هذه الجهات أحكام عقلية ناشئة عن وجود التكليف الواقعي ، فإن كان موجوداً ترتّبت وإلاّ لم يترتّب شيء منها.
وإن شئت قلت : إنّ اقتضاء التكليف الواقعي لحرمة المخالفة القطعية ولوجوب الموافقة القطعية ، لم يكن بحكم من الشارع كي يكون مرتفعاً عند كونه حرجياً ، وارتفاع التكليف بالقياس إلى هذا الأثر العقلي له دون الأثر الآخر ممّا لم نتعقّله.
هذا إن أُريد تحكيم دليل العسر والحرج على نفس التكليف الواقعي المعلوم في البين بقول مطلق ، وإن أُريد تحكيمه عليه على تقدير انطباقه على الطرف الذي يختاره المكلّف لسدّ ضرورته ، كما أفاده في الكفاية وجعله برهاناً على عدم وجوب الاحتياط في الطرف لكونه راجعاً إلى التوسّط في التكليف ، ففيه ما لا يخفى.
أمّا أوّلاً : فلأنّ هذه السمكة التي قدّمها المكلّف لنفسه ليسدّ بها ضرورته لو كانت هي الميتة واقعاً لم تكن حرمتها ضررية ولا حرجية ، لوجود السمكة الأُخرى.