وأمّا ثانياً : فلأنّا لو سلّمنا ذلك لكان حاله حال الاضطرار إلى المعيّن في عدم إسقاط الاحتياط فيما لو تأخّر عن العلم ، لكونه حينئذ من قبيل التردّد بين الطويل والقصير.
وأمّا ثالثاً : فلما ستأتي الاشارة إليه من عدم الدليل على كون المكلّف مخيّراً في ارتكاب أيّهما شاء.
وما أُفيد في التقرير المذكور وحرّرناه نحن أيضاً في التقرير وفي الشرح المشار إليه من أنّ المسوّغ له والموقع له في أكل الميتة على تقدير كونها هي التي أكلها هو جهله لا اضطراره ، غير خال عن التأمّل والإشكال ، إذ ليس الكلام في سبب معذوريته ، وإنّما الكلام في كيفية تحكيم دليل العسر والحرج ، والحيرة إنّما هي في الحكم الشرعي الذي يصطدم به ويكون حاكماً عليه ، بعد ما قدّمناه من تلك المقدّمة القائلة بأنّه لابدّ في جريان دليل العسر والحرج من وجود حكم شرعي يكون موجباً للعسر والحرج ، ومن الواضح أنّ كون الجهل عذراً لا دخل له بهذه الجهة أصلاً.
ومن ذلك كلّه تعرف أنّ ما أُفيد في التقريرات المطبوعة في صيدا أيضاً لا يخلو عن تأمّل ، وذلك قوله : وهذا بخلاف الاضطرار إلى غير المعيّن ، فإنّ رافع التكليف فيه منحصر باختيار المكلّف في مقام التطبيق ، فإنّه على تقدير انطباق الحرام على مورد اختياره يكون التكليف فيه ساقطاً ، فلا مقتضي للسقوط قبله ، وعليه فالتكليف قبل الاختيار ـ ولو كان الاضطرار سابقاً على حدوث التكليف أو العلم به ـ يكون فعلياً على كلّ تقدير ، ويشكّ في سقوطه عن الطرف الآخر بعد اختيار المكلّف أحد الطرفين الخ (١)
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥.