كما أنّه متوجّه إليه أحد التكليفين ، وهو الاجتناب عن هذه لو ارتكب تلك ، أو الاجتناب عن تلك لو ارتكب هذه ، فلو فعلهما معاً فقد ارتكب المعصية قطعاً ، بمعنى أنّه لم يجتنب عن النجس في حين علمه بوجوب الاجتناب عنه. ولو ارتكب أحدهما وهي الصغرى ثمّ أراد ارتكاب الكبرى كان ممنوعاً عنه عقلاً ، لأنّه قد علم أوّلاً بأنّه إمّا أن يجب عليه اجتنابها إن ارتكب الصغرى ، أو الاجتناب عن الصغرى إن ارتكب الكبرى ، فهذا وهو اجتنابه للكبرى عند ارتكابه للصغرى هو أحد طرفي العلم الاجمالي ، فيكون متنجّزاً عليه قبل أن يرتكب الصغرى ، فيكون ارتكابها ممنوعاً عنه عقلاً ، فإنّ المخالفة في ارتكاب الكبرى بعد الصغرى وإن كانت احتمالية ، إلاّ أنها أحد طرفي العلم الاجمالي ، فتكون منجّزة مستحقّاً عليها العقاب لو صادفت الواقع ، فلاحظ وتأمّل.
ثمّ إنّك قد عرفت الوجه في قولنا : إنّ الصغرى لو كانت هي النجسة لكان وجوب الاجتناب عنها ضررياً عند تركه للكبرى ، مع أنّ ذلك الوجوب على تقديره لا يكون ضررياً ، لأنّ الكبرى في ذلك الحال تكون مباحة ، ولا ريب أنّ ترك المباح لا يوجب كون وجوب الاجتناب عن الصغرى ضررياً.
وحاصل ذلك الوجه هو كون الترك للكبرى مستنداً للعلم الاجمالي بوجود النجس بينهما الموجب بحكم العقل لتركه لكلّ منهما ، وحينئذ فيكون الترخيص في ارتكابه للصغرى معلولاً لمنجّزية العلم الاجمالي في الكبرى ، فكيف يعقل أن يكون هذا الترخيص مسقطاً لما يقتضيه العلم الاجمالي في الكبرى ، وهل ذلك إلاّ من قبيل ما يلزم من وجوده عدمه ، أعني أنّه يلزم من منجّزية العلم الاجمالي في الكبرى الترخيص في الصغرى ، وهو يوجب عدم منجّزية العلم في الكبرى ، هذا خلف فتأمّل. هذا في المحرّمات.