لكن بقيت جهة أشار إليها في ضمن قوله : « إن قلت » لم يصرّح في الجواب عنها ، وهي قوله : ولم يعلم وقوع الاضطرار إلى متعلّق التكليف ليسقط الخ (١) ، لم يتعرّض في الجواب (٢) ، وشرح هذه الجهة ما تضمّنه ما حرّرته عنه فيها والجواب عنها ، وذلك هو قوله فيما حرّرته عنه : ودعوى أنّه فعلاً يعلم بوجود ملاك التكليف وتوجّهه إليه فيما قبل الاضطرار ، ويشكّ في كون هذا الاضطرار مسقطاً له ، فيكون العلم منجّزاً ، لكونه من قبيل من علم بوجود ملاك التكليف وشكّ في تحقّق مسقطه ، ومعه يجب الفحص أو الاحتياط ، ممنوعة.
أمّا أوّلاً : فلأنّ عدم الاضطرار ليس من قبيل الشروط العقلية كعدم القدرة العقلية في كون ملاك التكليف موجوداً في مورده بتمامه ، وأنّ العجز العقلي يكون مسقطاً للتكليف من دون تأثير في ناحية الملاك ، كي يكون من قبيل الشكّ في السقوط مع إحراز تحقّق الملاك التامّ ، بل هو ـ أعني عدم الاضطرار ـ شرط شرعي يكون وجوده موجباً لنقصان ملاك التكليف ، فلا يكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المسقط مع إحراز ملاك التكليف ، إذ ليس المراد من الاضطرار ما يكون بالغاً إلى درجة العجز وعدم القدرة العقلية ، بل المراد منه ما يكون مجامعاً للقدرة العقلية وموجباً لحكم الشارع بجواز الارتكاب ، وحينئذ فلابدّ أن يكون المصحّح لحكم الشارع بجواز ارتكاب مورده هو نقصان ملاك وجوب الاجتناب عنه عن أن يكون قابلاً للتأثير في ذلك الوجوب.
وأمّا ثانياً : فلأنّ هذه الدعوى بمسألة الخروج عن الابتلاء أولى منها بمسألة الاضطرار ، لما عرفت من رجوع الابتلاء إلى التمكّن العادي الملحق
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٩٤.
(٢) [ هكذا وردت العبارة في الأصل ، والأمر سهل بعد وضوح المراد ].