بالتمكّن العقلي في كونه من الشروط العقلية ، التي يكون انتفاؤها موجباً لسقوط التكليف دون نقصان ملاكه ، فيكون جريان هذه الدعوى فيها من العلم بملاك التكليف والشكّ في مسقطه أولى من جريانها في مسألة الاضطرار ، لما عرفت من كون عدم الاضطرار من الشروط الشرعية التي يكون انتفاؤها موجباً لنقصان الملاك ، مع أنّهم لم يلتزموا بذلك في مسألة الابتلاء.
وأمّا ثالثاً : فلأنّ ملاك التكليف والشكّ في مسقطه إنّما يوجب الاحتياط حيث يكون ملاك التكليف محرزاً بالقياس إلى المكلّف كما تقدّم من المثال ، والوجه فيه هو أنّ بناء العقلاء على الفحص عن المسقط ولزوم الاحتياط مع عدم إحرازه يكون طريقاً عقلائياً حاكماً على مثل أصل البراءة من الأُصول النافية ، وفي مثل الابتلاء كما إذا كان أحد الأطراف خارجاً عن الابتلاء ، لا يكون ملاك تكليف ذلك المكلّف محرزاً عنده ، لتردّد الأمر بين كون النجس هو هذا الطرف الذي هو داخل في ابتلائه ، فيكون الموجود هو ملاك تكليفه ، وبين كونه ذلك الطرف الخارج عن ابتلائه ، فلا يكون الموجود هو ملاك تكليفه ، بل ملاك تكليف شخص آخر ممّن يدخل ذلك الطرف في ابتلائه ، فلا يكون المعلوم هو ملاك تكليفه.
قلت : وكذا من اضطرّ إلى واحد معيّن فإنّه يدور الأمر عنده بين كون الموجود ملاك تكليفه إن كان النجس هو ما لم يضطرّ إليه ، وبين كونه ملاك شخص آخر ممّن لم يكن مضطرّاً إن كان النجس هو ما اضطرّ إليه ، انتهى.
ولكن الظاهر أنّ ذلك كلّه إذا لم يكن الاضطرار أو الابتلاء بعد التكليف الواقعي ، بأن يكون الطرف حين توجّه التكليف به واقعاً خارجاً عن الابتلاء أو مضطرّاً إليه كما في الصورة الأُولى.