أن يتّصف بالحرمة عقلاً أو شرعاً الخ (١). أمّا الحرمة شرعاً فلا محل لها في المقام ، إذ ليست حرمة المخالفة القطعية شرعية كي يتكلّم عليها. وأمّا الحرمة العقلية فليست هي إلاّعبارة عن حكم العقل بقبحها والتنفّر منها والانزجار منها والزجر عنها ، وذلك متحقّق فيما يكون ممكناً عقلاً وإن كان غير ممكن عادة. نعم لو كانت غير ممكنة عقلاً كما فرضه فيما لو احتاج ارتكاب الجميع إلى ما هو أزيد من العمر الطبيعي ، فقد عرفت أنّ ذلك من باب عدم حكم العقل بالقبح والزجر ، لا من باب الحكم بعدم القبح ، على وجه يكون العقل مسوّغاً للمخالفة القطعية ، ليكون ذلك موجباً لسقوط لزوم الموافقة القطعية.
وبالأحرى أن نقول : إنّ هذا العلم الاجمالي ليس له مخالفة قطعية كي تكون مورداً لحكم العقل بحسن أو قبح أو تسويغ أو زجر ، وهل هي بعد فرض عدم القدرة عليها عقلاً إلاّمن قبيل الجمع بين الضدّين أو النقيضين في أنّه لا مورد للحكم العقلي بها إلاّبالامتناع والاستحالة ، دون ما هو من مقولة الحسن أو القبح ونحوهما.
نعم ، لو كان لنا دليل شرعي يدلّ على أنّ المخالفة القطعية محرّمة شرعاً ، لكان ذلك التكليف الشرعي المتعلّق بترك المخالفة القطعية قبيحاً عند عدم التمكّن العادي منها ، كما يقبح النهي عن مثل شرب الخمر عند عدم التمكّن العادي من الإقدام عليه ، كما مرّ تفصيله في مبحث الخروج عن الابتلاء.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المراد هو أنّ التكليف الواقعي بمثل الاجتناب عن النجس يكون قبيحاً عند عدم التمكّن من ارتكاب جميع الأطراف الكثيرة التي يعلم إجمالاً بوجود النجس فيما بينها.
__________________
(١) أجود التقريرات ٣ : ٤٧٢.