لكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ ترتّب حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية على التكليف الواقعي لا يكون موجباً لقبحه ، إذ ليس ذلك مثل الحرج المترتّب على الحكم الواقعي بواسطة حكم العقل. مضافاً إلى أنّا قد منعنا ذلك في مثل الحرج فمنعه فيما نحن فيه أولى. مع أنّه لو تمّ فيما نحن فيه لكان موجباً لسقوط ذلك التكليف الواقعي بتاتاً ، فلا حاجة حينئذ إلى تكلّف سقوط لزوم الموافقة القطعية بما أُفيد من أنّه بعد سقوط حرمة المخالفة القطعية لا يبقى مانع من الجمع بين الأُصول النافية في الأطراف ، فإنّه بعد البناء على سقوط التكليف الواقعي بتاتاً لا معنى للتكلّم في وجوب موافقته الاحتمالية فضلاً عن موافقته القطعية.
لا يقال : لعلّ المراد هو أنّ عدم القدرة العادية على المخالفة القطعية لا يوجب سقوط التكليف الواقعي بتاتاً ، بل إنّما يوجب سقوطه من حيث اقتضائه لحرمة المخالفة القطعية ، وحينئذ يبقى الكلام في سقوطه من حيث اقتضاء الموافقة القطعية ، فنحتاج في توجيه سقوطها بما أُفيد من أنّه لا مانع من الجمع بين الأُصول النافية في الأطراف.
لأنّا نقول : قد تقدّمت (١) الاشارة في مباحث الاضطرار إلى غير المعيّن إلى أنّه لا معنى لاسقاط التكليف من حيث حرمة المخالفة القطعية دون حيث وجوب الموافقة القطعية ، فإنّ التكليف الواقعي واحد لا تعدّد فيه من هذه الحيثيات العقلية.
لا يقال : يمكن أن ينزّل ما أُفيد هنا في وجه سقوط العلم الاجمالي على ما أُفيد في مسألة الخروج عن الابتلاء ، من أنّه لو كان بعض الأطراف معيّناً غير مقدور الارتكاب عادةً لم يكن العلم الاجمالي مؤثّراً ، حيث إنّ الحال فيما نحن
__________________
(١) في الصفحة : ١١٤.