عدم لزوم الاجتناب عن أطراف الشبهة. وما أفاده الشيخ قدسسره (١) في ردّها بكون المراد هو أنّ جعل الميتة في مكان خاصّ لا يوجب العلم بوجودها فيه في باقي الأمكنة بعيد غاية البعد ، بل يكاد يقطع بعدم إرادته.
نعم ، لو كان ذلك المكان معيّناً عند السائل لأمكن أن يقال : إنّ مفاد الرواية حينئذ هو أنّ علمك بوجود الحرام في ذلك المكان لا يوجب الاجتناب عن جميع ما في الأرض ، لكن المفروض أنّه لم يعيّن مكاناً خاصّاً ، وإنّما أقصى ما عنده هو أنّه قد علم بوجود المحرّم في جملة الجبن الموجود في الأرض من جهة أنّه أخبره من رأى أنّه يجعل فيه الميتة ، فصار بسبب ذلك يعلم إجمالاً بأنّ ما في الأرض بعضه محرّم ، هذا.
مضافاً إلى تصريح الإمام عليهالسلام بأنّه عليهالسلام يشتري اللحم من السوق ، وأنّه عليهالسلام لا يظنّ أنّ كلّهم يسمّون ، الظاهر في أنّ المراد من نفي الظنّ نفي الاحتمال ، كما أفاده الشيخ نفسه في بيان معنى قوله عليهالسلام : « ما أظن كلّهم يسمّون » ، فإنّ إرادة نفي الاحتمال من نفي الظنّ شائع كثير.
وبالجملة : أنّ الرواية ظاهرة بل صريحة في الاستنكار على من يلتزم بالاجتناب عن الجبن الموجود في الأرض لوجود الميتة في بعض أطرافه ، وهو عين ما نحن فيه من الشبهة غير المحصورة.
ولا يبعد أن يكون مدرك ذلك الإجماع هو هذه الرواية الشريفة ، وحيث إنّها لم تقيّد جواز الارتكاب بمقدار ما يرتفع به العسر والحرج ، كان تنزيلها على الوجه الثاني من وجهي إعمال العسر والحرج مقطوعاً بعدمه. ونظراً إلى أنّ الاجتناب عن الجبن الموجود في جميع أقطار الأرض ممّا يحتمل أنّه فيه الميتة
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.