أنّه لا يجب الاجتناب عن هذين الاناءين مع فرض عدم العلم بوجود الثالث ، فيكون الضابط هو أنّه لو كنّا نحتمل وجود طرف آخر للأطراف الموجودة لم يكن العلم الاجمالي منجّزاً في الأطراف الموجودة.
الأمر الرابع : أنّ المراد بالشبهات غير المحصورة هو هذا المعنى الذي ذكرناه في الاناءين ، إذ ليس المراد بعدم الحصر عدم العدّ ، بل المراد بعدم الحصر عدم العلم بالأطراف ، فأيّ آحاد من الأطراف جمعها المكلّف والتفت إليها لا يحصل له القطع بأنّه ليس غيرها موجوداً ، بل يحتمل وجود آحاد أُخر هي بمقدار المعلوم بالاجمال ، وحينئذ فيكون حال الآحاد التي ضبطها المكلّف والتفت [ إليها ] حال الاناءين ، وحال ما يحتمل وجوده من الآحاد حال الاناء الثالث ، وحينئذ فتدخل في الضابط المتقدّم ، وهو أنّه لو كنّا نحتمل وجود أطراف أُخر للأطراف الموجودة لم يكن العلم الاجمالي منجّزاً في الأطراف الموجودة ، ولازم ذلك هو جواز ارتكاب جميع الأطراف الموجودة ، لكن ليس ذلك من المخالفة القطعية ، كما أنّ جواز الارتكاب إنّما يكون اعتماداً على الأصل النافي ، لا لأجل أنّ الشكّ في أطراف الشبهة غير المحصورة بمنزلة العدم ، بحيث لا يكون ذلك العلم الاجمالي مولّداً للشكّ في هذه الأطراف.
والظاهر أنّ المنظور إليه في تلك الأخبار والاجماعات هو [ هذا ] المعنى ، دون ما لو كانت هذه الأطراف الموجودة المعلومة لدينا المضبوطة عندنا ممّا يعلم إجمالاً بأنّ ما بينها محرّم ، فإنّ ذلك العلم الاجمالي يكون منجّزاً وإن بلغت الأطراف ما بلغت من الكثرة ، إلاّ أن يكون الاجتناب عن جميعها حرجياً ، فيجوز ارتكاب ما يرتفع الحرج بارتكابه ، أو كان بعضها خارجاً عن محلّ الابتلاء وكان بمقدار المعلوم بالاجمال ، كان ارتكاب الباقي جائزاً.