بالوجود في الغير ملازم للظنّ بعدم الوجود في هذا الطرف بل هو عينه ، إلاّ أن مراده شيء آخر وهو ما سيأتي شرحه في آخر البحث.
ولكن الظاهر أنّ المسألة ليست من هذا الوادي أعني الظنّ بعدم الوجود في هذا الطرف أو الظنّ بالوجود في غيره من الأطراف ، بل إنّ أساسها أمر عقلائي آخر غير حجّية الظنّ ، وذلك الأمر العقلائي ما أشار إليه الشيخ قدسسره بقوله : ضرورة أنّ كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات (١) وحاصله هو ضعف هذا الاحتمال في هذا الطرف بواسطة كثرة الاحتمالات الراجعة إلى احتمالات وجوده في غيره على وجه لا يعتني به العقلاء في عادياتهم ، والمراد من ضعفه في قبال تلك الاحتمالات هو ضعفه في نظر العقلاء ، لا أنّه يكون موهوماً وهي تكون مظنونة ، كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى.
وحينئذ فلم يبق في البين إلاّما أشار إليه الشيخ قدسسره بالتأمّل ، وحاصله ما أفاده شيخنا قدسسره بقوله : إنّ قياس الأحكام الشرعية واحتمال الضرر الأُخروي على الأحكام العرفية واحتمال الضرر الدنيوي ليس في محلّه الخ (٢) ، ولكن الأمر كذلك لو خلّينا نحن وهذه الطريقة العقلائية الجارية في أُمورهم العرفية ، أمّا بعد أن أمضاها الشارع بدليل الإجماع أو ببركة الروايات الآتية (٣) التي مفادها هو تجويز الارتكاب استناداً إلى هذه الطريقة العقلائية ، فلا يبقى في البين إشكال أصلاً ، فإنّ
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٢٦٣.
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ١٢١.
(٣) في الصفحة : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، وقد تقدّم ذكرها والمناقشة فيها ، راجع الصفحة : ١٧٦ وما بعدها.