ذلك طريقان ، أحدهما : أن ينوي بكلّ منهما الوجوب والقربة ، لكونه بحكم العقل مأموراً بالاتيان بكلّ منهما. وثانيهما : أن ينوي بكلّ منهما حصول الواجب به أو بصاحبه تقرّباً إلى الله ، فيفعل كلاً منهما فيحصل الواجب الواقعي ، وتحصيله لوجوبه ـ إلى أن قال ـ بل يقصد ( في كلّ منهما ) أنّي أُصلّي الظهر لوجوب الأمر الواقعي المردّد بينه وبين الجمعة التي أُصلّيها بعد ذلك أو صلّيتها قبل ذلك الخ (١).
وعلى كلّ حال ، ليس مراد الشيخ قدسسره هو أنّه يأتي بكلّ منهما بداعي احتمال وجوبه كما في الشبهة البدوية ، وأنّه يعتبر فيهما شيء زائد على داعي الاحتمال في الشبهة البدوية ، وهو أن يكون ناوياً للاتيان بطرفه بعده ، بل مراده شيء آخر هو أعلى من ذلك ، وهو شعبة من اعتبار الجزم بالنية ، وحاصله أنّه في الشبهة البدوية لا يكون في البين إلاّ احتمال الأمر بذلك الفعل ، فهو لا يمكنه إلاّ أن يأتي به بداعي الامتثال الاحتمالي ، وهذا بخلاف ما لو كان الأمر قطعياً وكان متعلّقه متردّداً بين الظهر والجمعة مثلاً ، فإنّ العلم بوجود الأمر بينهما وإن أوجب احتمال وجود الأمر بالظهر واحتمال وجود الأمر بالجمعة ، وحينئذ يأتي بالظهر بداعي الامتثال الاحتمالي لاحتمال وجود الأمر بها ، ويأتي بالجمعة بداعي الامتثال الاحتمالي لاحتمال وجود الأمر بها ، كما إذا كان احتماله لكلّ منهما على نحو الشبهة البدوية ، بحيث إنّه يحتمل وجود الأمرين معاً ، ويحتمل عدمهما معاً ، ويحتمل وجود أحدهما دون الآخر ، فهو في هذه الصورة لا يمكنه الفعل إلاّ بداعي الامتثال الاحتمالي ، لكنّه في صورة العلم الاجمالي بوجود الأمر مردّداً بينهما يكون الأمر المذكور قطعياً ، فيحتاج في امتثاله إلى الاتيان بداعي الامتثال القطعي ، بأن يأتي بالظهر بداعي الامتثال القطعي لذلك الأمر القطعي ، وهذا لا
__________________
(١) فرائد الأُصول ٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩١.