وقد ظهر لك : أنّ القدر المتيقّن في ذلك هو الأقل أفراداً ، وأنّ التكليف بالزائد على تلك الأفراد يكون مشكوكاً. ومنه يظهر لك أيضاً خروجه عن الأقل والأكثر الارتباطيين وأنّه من قبيل التكاليف غير الارتباطية ، وذلك واضح لا ريب فيه. نعم لو أُخذ العموم في ذلك مجموعياً ، لكان التردّد المذكور من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين ، لكن القدر المتيقّن هو الأقل لا الأكثر.
وأمّا العموم البدلي مثل أكرم عالماً ، مع الشكّ في مفهوم العالم وتردّده بين الاطلاق والتقييد بمثل العدالة ، فلا شبهة في أنّ المتيقّن فيه يكون هو الأقل قيوداً ، فيكون حاله حال تردّد متعلّق التكليف ، ولعلّه يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى عند الكلام على الأقل والأكثر الانحلاليين (١) ، وأنّه هل هو من قبيل الأقل والأكثر ، أو هو من قبيل الدوران بين التخيير والتعيين ، فانتظر.
قوله : لا فرق في جريان البراءة الشرعية في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطي في باب الأجزاء والشرائط والموانع ، بين أن يكون منشأ الشكّ في وجوب الأكثر فقد النصّ أو إجماله ، فإنّ وجود النصّ المجمل في المسألة ... الخ (٢).
بل يمكن أن يقال : إنّ مسألة فقد النصّ في التردّد بين الأقل والأكثر لا يمكن تصوّرها إلاّبعد ثبوت التكليف بالمركّب في الجملة ، وهذا هو عبارة عن إجمال النصّ ، حتّى لو كان ذلك الدليل الدالّ على وجوب المركّب في الجملة لبّياً مثل الإجماع ونحوه ، فمسألة التردّد بين الأقل والأكثر دائماً متقوّمة باجمال في ناحية المركّب المأمور به ، حتّى لو ورد الأمر مثلاً بالاستعاذة قبل الفاتحة وتردّد
__________________
(١) [ لعلّ المراد هو : التحليليين ، ويأتي التعليق عليه في الصفحة : ٣٣٣ ].
(٢) فوائد الأُصول ٤ : ١٩٣.