إلى كافّة أهل اللسان ، بل يمكن أن يقال : إنّ هذه الجملة لم تكن مسوقة للتشريع أو لبيان حكم شرعي ، بل هي بالمواعظ وكلمات الحكمة أشبه منها بمقام التشريع.
وعلى كلّ حال ، لو قلنا إنّ المراد منها هو المعنى الثاني يكون الجامع هو الأمر بالمركّب في الجملة ، ويكون المتحصّل أنّه إذا كان لذلك الجامع مرتبة عليا ومرتبة ثانية هي أقلّ منها ، وكان الأمر في أوّل الوهلة متعلّقاً بالعليا ، تكون قاعدة الميسور موسعة لذلك الأمر ، وموجبة لتسريته إلى المرتبة الثانية عند تعذّر المرتبة الأُولى ، كما في الأمر بغسل الثوب مثلاً الغسل الموجب لنقاوته التامّة من الأوساخ ، فإذا تعذّر ذلك لم يسقط غسله بما هو أقلّ من ذلك ولو بالماء المجرّد ، لقوله عليهالسلام : « لا يسقط الميسور بالمعسور » (١) وحينئذ تدخل فيه المركّبات التي تعذر بعض أجزائها باعتبار أنّ المرتبة الأُولى من ذلك المركّب هي المركّب التامّ ، والمرتبة الثانية هي الفاقد لبعض الأجزاء ، ولأجل ذلك لابدّ من كون الباقي ممّا يصدق عليه ذلك الجامع ، بحيث يعدّ أنّه ميسور له.
وهذا التقريب بعينه جارٍ في « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٢) ، فإنّ الظاهر أنّ كلاً من « ما لا يدرك » وما « لا يترك » واردان على موضوع واحد يكون هو القدر الجامع ، فلابدّ في موردها من وجود القدر الجامع في البين ، ويكون ذا مرتبتين قد تعذّرت الأُولى منهما ولم يمكن إدراكها ، فلا يكون تعذّرها وعدم إدراكها موجباً لسقوطه بالمرّة بحيث إنّه يكون ذلك موجباً لتركه بكلّه ، فلابدّ أيضاً من كون الباقي ممّا يصدق عليه في ذلك الحال ذلك القدر الجامع ، وغاية ما استفدته من
__________________
(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ( مع اختلاف يسير ).
(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.