ذلك يأتي بما هو الواجب عليه من القضاء في صوم يوم آخر.
نعم ، إنّ في مثل القراءة ونحوها ممّا يكون المطلوب هو صرف الطبيعة يمكن القول بأنّه مع كونها واجبة لا يبقى مجال للأمر الاستحبابي ، إذ لا يجتمع الطلبان مع وحدة المتعلّق الذي هو صرف الطبيعة ، بل لابدّ أن يندكّ الاستحباب بالوجوب ، ولا يكون في البين إلاّطلب واحد وجوبي ، فعند احتمال الوجوب تكون المسألة من قبيل العلم بالطلب الواحد المردّد بين الوجوب والاستحباب. وهكذا الحال في الوضوء الاستحبابي عند دخول وقت الصلاة القاضي بوجوبه.
أمّا في مثل ما عرفت من صوم القضاء المحتمل فلا تتأتّى فيه هذه الطريقة بل يتعيّن فيه الاتيان بصوم غد لاحتمال كونه واجباً عليه. أمّا لو قصد أنّه إن كان مشغول الذمّة بالقضاء فهذا اليوم يصومه امتثالاً للأمر بالقضاء ، وإن لم يكن مشغول الذمّة بذلك فهذا اليوم يصومه امتثالاً للأمر الندبي ، فذلك باطل لكونه من التعليق في الامتثال ، ونظيره ما ذكروه في صوم يوم الشكّ من شعبان أو رمضان.
وما ربما يقال من أنّه لا مانع من هذا التعليق عقلاً ، ففيه ما لا يخفى ، حيث إنّ الامتثال بمعنى الاندفاع والانبعاث الخارجي ، فهو إمّا أن يكون واقعاً وإمّا أن لا يكون واقعاً ، ولا معنى لكونه واقعاً على هذا التقدير دون ذلك التقدير ، إلاّ أن يرجع إلى الانبعاث عن الأمر الواقعي المتوجّه إليه ، سواء كان ندبياً أو كان وجوبياً وفيه تأمّل ، إذ فرق بين هذه الصورة وما هو محلّ الكلام من أنّه إن كان وجوباً فأنا أنبعث عن الوجوب ، وإن كان ندباً فأنا أنبعث عن الندب ، فإنّ انبعاثه في كلّ منهما على تقديره ، فهو لم يوجد الانبعاث وإنّما علّق الانبعاث على ذلك التقدير فلاحظ.