قوله : وأمّا لو خالف العمل لأحدهما ووافق الآخر ، ففي استحقاقه للعقوبة وجهان ... الخ (١).
لا يخفى أنّ الواقع والأمارة القائمة عليه إن اتّفقا ووافقهما المكلّف ، فلا ريب في عدم العقاب ، وكذا لو خالفهما ، فإنّه لا ريب فيه في استحقاق العقاب. وإن اختلفا ، فإمّا بنحو التضادّ مثل أن يكون الحكم الواقعي هو التحريم ويكون مؤدّى الأمارة هو الايجاب ، وإمّا بنحو الايجاب والسلب ، بأن يكون الحكم الواقعي هو التحريم ، ويكون مؤدّى الأمارة هو الاباحة وعدم التحريم ، والبحث معقود لهذا الأخير ، أمّا الاختلاف بالتضادّ فيعلم حكمه منه بالمقايسة.
فنقول بعونه تعالى : إنّ الاختلاف بالايجاب والسلب تارةً : يكون الحكم الواقعي هو التحريم مثلاً ويكون مؤدّى الأمارة هو الاباحة. وأُخرى : يكون الأمر بالعكس ، والمكلّف في كلّ من هاتين الصورتين إن اتّفق أنّه قد عمل على طبق المثبت ، فلا ريب أيضاً في عدم استحقاقه للعقاب ، لأنّه حينئذ غير مطالب بشيء ، لا من ناحية الواقع ولا من ناحية الأمارة.
وإنّما الإشكال فيما لو اتّفق أنّ عمله كان على طبق النافي ، فهناك صورتان ، الأُولى : أن يكون الواقع هو حرمة شرب التتن مثلاً ، لكن كانت هناك رواية لو تفحّص لعثر عليها ، تدلّ على الاباحة وقد شربه المكلّف. الثانية : عكس هذه المسألة ، بأن يكون الواقع هو إباحة شرب التتن ، لكن هناك رواية لو تفحّص عنها المكلّف لعثر عليها تدلّ على حرمته.
وقد حكم شيخنا في الصورة الأُولى باستحقاق العقاب ، لمخالفته للواقع بلا مبرّر ولا مؤمّن ، والرواية الدالّة على الاباحة لم يستند إليها لتكون مصحّحة
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٨٨.