الثاني : قوله : قلت ليس سبباً لذلك ، غايته أنّه يكون مضادّاً له ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ الضدّ وعدم ضدّه متلازمان ، ليس بينهما توقّف أصلاً (١) ، فإنّ هذه الجملة مع قوله فيما سبق : وإنّما لم يؤمر بها لأجل أنّه أُمر بما كانت واجدة لتلك المصلحة على النحو الأكمل الخ ، دليل على أنّهما عنده من قبيل الضدّين اللذين أُمر بالأهم منهما. نعم ، الذي ينبغي هو أن يكون بين المصلحتين تباين ، لا أنّهما من قبيل الأقل والأكثر كما يعطيه قوله فيما سبق : وإن كانت دون مصلحة الجهر. والأمر في هذه الجهة سهل ، لإمكان التباين بينهما باعتبار حدّ الأقل والأكثر ، فتأمّل.
الثالث : أنّه قدسسره عند تعرّضه لما أفاده كاشف الغطاء قدسسره من تصحيح المسألة بالترتّب ، لم يناقشه في الصغرى وإنّما ناقشه في الكبرى وهي صحّة الأمر بالضدّين فقال : وقد حقّقنا في مبحث الضدّ امتناع الأمر بالضدّين مطلقاً ولو بنحو الترتّب بما لا مزيد عليه (٢).
لا يقال : إنّ الترتّب غير معقول في المقام ، لأنّ الأمر بالصلاة الاخفاتية لو كان مشروطاً بعصيان الأمر بالجهرية ، كان في الحقيقة مشروطاً بانقضاء الوقت أو بالاتيان بالاخفاتية ، فيكون محصّله هو أنّك إن لم تأت بالجهرية إلى آخر الوقت أو أتيت بالاخفاتية ، فائت بالاخفاتية ، والأوّل موجب لعدم معقولية الأمر بالاخفاتية في الوقت ، لأنّه أمر بالمحال ، والثاني موجب لتحصيل الحاصل.
لأنّا نقول : لا داعي في هذا الأمر الترتّبي إلى الالتزام بكون المعلّق عليه هو عصيان الأمر بالجهرية ، لإمكان أن نجعله معلّقاً على مجرّد عدم الاتيان بالجهرية ،
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٣٧٨.
(٢) المصدر المتقدّم : ٣٧٩.