بمعنى أنّك في حال عدم الاتيان بالجهرية لأجل جهلك بوجوبها ، فائت بالاخفاتية ، مثل قولك : آتني بالماء المثلّج لكن لو كنت جاهلاً بما أُريده من الخصوصية فتركت ذلك الخاص فائتني بالماء العادي ، فيكون الشرط هو عدم الاتيان ، وهو شرط مقارن لا متقدّم ولا متأخّر.
وربما يقال : إنّ الوجه في هذا الاشتراط هو أنّه بعد تضادّ المصلحتين يكون عدم علّة إحداهما وهي الصلاة الجهرية التي هي علّة في تحقّق مصلحتها مقدّمة لوجود المصلحة الأُخرى التي هي مصلحة الاخفاتية ، فكما أنّ وجود الصلاة الجهرية يكون مقدّمة لعدم مصلحة الصلاة الاخفاتية ، فكذلك عدم الصلاة الجهرية يكون مقدّمة لوجود المصلحة في الصلاة الاخفاتية ، فيكون الأمر بالصلاة الاخفاتية الناشئ عن الصلاح فيها مشروطاً بعدم وجود الصلاة الجهرية ، إذ لا تكون الصلاة الاخفاتية ذات صلاح إلاّعند عدم وجود الصلاة الجهرية.
وفيه تأمّل ، لأنّ العلّة في كون الاخفاتية ذات صلاح هو الجهل بوجوب الجهرية ، غايته أنّه لا يقدر المكلّف على استيفاء المصلحتين ، وإنّما يكون كلّ منهما مقدوراً له عند عدم تحقّق الأُخرى ، وحيث إنّ الجهرية هي الأهمّ لم تكن مقيّدة بعدم الأُخرى ، فيتعيّن الاخفاتية للتقييد المزبور.
ولا يخفى أنّ شيخنا قدسسره تعرّض في ذيول مسألة الترتّب إلى ما عن كاشف الغطاء قدسسره من تصحيح ما نحن فيه بالترتّب (١). وأورد عليه بما حرّرناه عنه في محلّه. وفي نظري القاصر أنّ أحسن ما حرّر عنه قدسسره في بيان هذه الايرادات هو ما
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٩١ وما بعدها. وقد تقدّمت حواشي المصنّف قدسسره على ذلك في المجلّد الثالث من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣٩٨ وما بعدها.