قوله : هذا ، مع أنّه يعتبر في الخطاب الترتّبي أن يكون خطاب المهم مشروطاً بعصيان خطاب الأهمّ ، وفي المقام لا يمكن ذلك ، إذ لا يعقل أن يخاطب التارك للقصر بعنوان « العاصي » ، فإنّه لا يلتفت إلى هذا العنوان لجهله بالحكم ، ولو التفت إلى عصيانه يخرج عن عنوان الجاهل ... الخ (١).
الإنصاف : أنّ هذا الإيراد غير متوجّه ، فإنّ التكليف بالاخفاتية أو الاتمام وإن كان في الواقع مختصّاً بالجاهل بوجوب الجهر أو الجاهل بوجوب القصر ، إلاّ أنّه يكفي في صحّة خطابه توجّه الأمر إليه بعنوان المكلّف ، فالتكليف الواقعي بالاخفات موجّه إلى خصوص الجاهل بوجوب الجهر ، لكنّه تخيّل أنّه متوجّه إلى عامّة المكلّفين وهو منهم ، وقد امتثله حال كونه واجداً لشرطه المذكور وهو الجهل بوجوب الجهر ، فيكون حاله حال من كان مستطيعاً في الواقع وهو لا يعلم بذلك وقد تخيّل أنّ التكليف بالحجّ موجّه إلى عامّة المكلّفين ، وقد أتى به حال كونه مستطيعاً فإنّه لا إشكال في صحّة حجّه المذكور وإن لم يلتفت إلى كون وجوب الحجّ مشروطاً بالاستطاعة ، ولا إلى أنّه واجد لها.
والحاصل : أنّه لا مانع من صحّة العبادة المشروط وجوبها بشرط حاصل للمكلّف ممّن يعتقد أنّ وجوبها غير مشروط بذلك الشرط ، إذا كان في الواقع واجداً لذلك الشرط ، مع فرض عدم التفاته إلى كونه واجداً لذلك الشرط ، ولا يحتاج إلى خطاب خاصّ يخصّه بما أنّه واجد لذلك الشرط ، بل يكفي في ذلك دخوله في ذلك الوجوب المشروط في الواقع ، وإن كان معتقداً كون ذلك الوجوب مطلقاً ، وكان غير ملتفت إلى كونه واجداً لذلك الشرط. ولو قلنا بأنّه لابدّ من الخطاب الشخصي ، لكان يكفي فيه خطابه بعنوان المكلّف كما لا يخفى
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٢٩٣.