العلم بنفس النجاسة لا أثر له ما لم يترتّب عليها حكم تكليفي كوجوب الاجتناب ، ومن الواضح أنّ وجوب الاجتناب في الملاقي ـ بالكسر ـ ليس بمتأخّر رتبة عن وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ ، إذ لا علّية بينهما ولا معلولية ، وإنّما هي بين نجاستيهما.
ويمكن الجواب عن هذا الايراد بما تقدّم في الجواب عن الشبهة السابقة (١) وحاصله : أنّ نجاسة الثاني أعني الملاقي ـ بالكسر ـ من الأحكام الوضعية لنجاسة الأوّل أعني الملاقى ـ بالفتح ـ ، فتكون متأخّرة عنها تأخّر الحكم عن موضوعه أو المسبّب عن سببه ، وحينئذ تكون هي في عرض وجوب الاجتناب عن الأوّل من آثار نجاسة الأوّل ، فيكون وجوب الاجتناب عن الثاني متأخّراً في الرتبة عن وجوب الاجتناب عن الأوّل ، لأنّ ما هو متأخّر عمّا هو في عرض الشيء متأخّر عن نفس الشيء.
والحاصل : أنّ نجاسة الأوّل متقدّمة على نجاسة الثاني ، ونجاسة الثاني متقدّمة على وجوب الاجتناب عنه ، فيكون هو ـ أعني وجوب الاجتناب عن الثاني ـ واقعاً في الدرجة الثانية من نجاسة الأوّل (٢) فيكون متقدّماً عليه رتبة وإن لم يكن بين نفس الوجوبين علّية ولا معلولية ، فيكون العلم الاجمالي المنجّز لوجوب الاجتناب عن الأوّل سابقاً في الرتبة على العلم الذي نريد أن نجعله منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الثاني ، وحينئذ يكون تنجّز وجوب الاجتناب في
__________________
(١) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٣٦ وما بعدها.
(٢) [ تقدّمت هذه العبارة في الصفحة : ٢٨ وقد ورد فيها : فيكون هو ـ أعني وجوب الاجتناب عن الثاني ـ واقعاً في الدرجة الثالثة من نجاسة الأوّل ، ويكون وجوب الاجتناب عن الأوّل واقعاً في الدرجة الثانية من نجاسة الأوّل ... ].