ويبدو أن متكلمي المعتزلة والزيدية وغيرهم من خصوم الإمامية الذين ماتوا قبل ولادة الإمام المهدي عليهالسلام كانوا في حرج شديد إزاء أخبار الإمام الصادق عليهالسلام وأهل البيت عليهمالسلام كافة بخصوص ولدهم المهدي عليهالسلام ، إذ شكلت بمجموعها تحدّياً صارخاً لهم ، ولم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيت عليهمالسلام تلك حتى وإن لم يعتقدوا بإمامتهم ، إذ تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة والضبط والصدق والحفظ والحريجة في الدين ، سيما وإن تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيداً على أولئك المتكلمين ، وبالتالى هم ليسوا من أهله (١) ، ولهذا نراهم قد خفّفوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة ، واهملوها تماماًً ، ولم يتصدّ أحد منهم قط إلى تكذيب أخبارها على الرغم من كونها بين أيديهم ، وكأنهم ـ بهذا ـ قد تحفّظوا على أنفسهم فلم يرموا بها شططاً في كل اتجاه.
وما إن انقضى عصر أُولئك المتكلمين إلاّ وقد اصطدم خَلَفَهُم بالواقع ، خصوصاًً وقد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمّتها ـ في كل صغيرة
__________________
١ ـ بحث المتكلمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين ، وكانت تمسّ مستقبل الانسان ومصيره في الصميم ، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ ، والصراط ، والميزان ... ونحوها كثير.
والامر هنا مختلف تماماً ، إذ لا يقبل جدلاً ولا تأويلاً ، فالإخبار عن شخص بذكر اسمه ونسبه وحسبه وكنيته ولقبه وسيرته وحليته وأخلاقه وأوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ، لا يدع مجالاً للمتكلمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلّو له ، اللهمّ إلاّ أن يضطرّهم اعتقادهم الفاسد إلى تكذيب مثل هذا الإخبار ، وهو ما لم يحصل من المتكلمين في زمان الإمام الصادق عليهالسلام.