كما يزدادُ الأمرُ حساسيةً وخطورةً عندما يتعلقُ بمصير الإنسان الأُخروي ، ويمسُّ دينه ومعتقداته ، كما في حال تشريع ( التراويح ) التي توقعُ الإنسانَ في مواجهة السُنَّة الشريفة الثابتة ، وتجعلُه مورداً لانطباق جميعِ مواصفات المبتدعين عليه.
ولنقرب الفكرةَ أكثر من خلال مثالٍٍ حسيٍّ تقريبي يحاكي ما فعلَه ( عمرُ ) بشأن ( التراويح ) ؛ لكي تستبينَ الأُمورُ أكثر ، ويسفرَ الصبحُ لذي عينين ، والمثالُ هو :
( كانَ هناكَ شخصٌ مهيب ، مسموعُ الكلمة ، مطاعُ الأمر ، يقفُ على مفترقِ طريقين بجانب صاحبٍ له ، وكانَ كلٌّ من الطريقين يؤدي إلى مدينةٍ معينة ، ولكنَّ أحدَ الطريقين كانَ آمناً وخالياً من المتاعبِ والمخاطر ، والآخرَ كانَ محفوفاً بالمخاطر ومملوءاً بالوحوش.
فجاءَ قومٌ يقصدونَ السيرَ إلى تلك المدينة في الليل البهيم ، فقالَ الشخصُ المهيبُ لصاحبه : إني أرى لو جعلتُ هؤلاءِ الناس يسيرونَ في طريق الوحوشِ المفترسة لكانَ أمثل؛ لأنَّ في ذلك قوةً لقلوبهم ، وتقويةً لعزائمهم ، فقالَ له صاحبُه : إنَّها كذبةٌ مهلكةٌ أيُّها الشخصُ المهيب ، فقالَ : لا بأسَ بذلك!!
ثمَّ أمرَهم بالسير في طريق المخاطر.
ولما أسفرَ الصبحُ سارَ إليهم لينظرَ حالهم ، فإذا هم جرحى ، مقطعي الأوصال ، تعتصرُهم الآلام ، ويتصاعدُ منهم الأنين ، وقد فاتَهم الوصولُ إلى مقصدهم وغايتهم التي كانَوا يرجون.
فقالَ الصاحبُ : أيُّها الشخصُ المهيب ، ألا تنظر إلى نتيجة الكذبةِ التي كذبتَها على هؤلاءِ المساكينَ الذين اعتمدوا عليك ، ووثقوا بكلامك ، وإلى الذي أدَّت بهم من عواقبَ سيئة؟
فقالَ الشخصُ المهيب : إنَّ الأنينَ الذي تسمعُهُ من هؤلاء هوَ دويُّ القوةِ والشجاعة! وعلامةُ الإقدامِ والهيبة!!
لقد كانَت كذبةً بيضاء ، كذبةٌ ونعمتِ الكذبةُ هذه ).