الوجه الثاني :
هي في نفس الوقت لا تمتلكُ أصلاً ، وليس لها سابقُ مثال ، باعتبار أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد انقطع عنها ، ولم يصلِّها أبو بكر ، فيصحُ إطلاقُ لفظِ ( البِدعة ) عليها بهذا الاعتبار ، أي باعتبار أنَّها لم تُصلَّ في برهةٍ زمنية معينة.
ومن الواضح انَّ كلامَ ( الشاطبي ) هنا لا يسلمُ من المعارضة السابقة لكلام ( ابن تيمية ) المتقدم ، وإن كانَ ( الشاطبي ) لم يصرّح هنا بأنَّ ( البِدعةَ ) قد استُعملت في معناها اللغوي كما فعلَ ( ابنُ تيمية ) ، وإنَّما تركَ الكلامَ غائماً ، ومشوباً بالغموض والإبهام.
وعلى أيةِ حال فإنَّ ذكرَ ( الشاطبي ) لهذهِ الفترة الوسطية التي لم تُصلَّ فيها ( التراويح ) على ما قالَ كانَت سبباً يسوِّغُ الاستعمالَ اللفظي للـ ( البِدعة ) في الحادث الذي ليس له مثالٌ سابق ، وهو ما لا يصحُ هنا ، لأنَّ تركَ العمل لمدة معينة غير كافٍ في انطباق عنوان ( ما ليسَ له مثالٌ سابق ) عليه.
فلو أنَّ رسولَ اللّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم كانَ قد صلّى ( صلاةَ الاستسقاء ) مثلاً لقحطٍ أصابَ المسلمين ، وندرةٍ في الأمطار ، ثمَّ تركَ الصلاةَ إلى أن ارتحلَ إلى الرفيق الأعلى ، ثمَّ صُلّيت هذهِ الصلاةُ بعد عشرينَ عاماً لنفس السبب السابق ، فهل يسوِّغُ لنا أن نقولَ هنا بأنَّ ( صلاةَ الاستسقاء ) ( بِدعةٌ ) ، ونطبقَ اللفظَ لغوياً على هذا المعنى المتأخر زماناً؟ وهل لنا أنْ نبررَ هذا الاستعمالَ اللغوي باعتبار الفترة الوسطية التي تخللت الفعلين؟!
هذا كلُّه بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً من حاجة مثلِ هذا الاستعمالِ في المعنى اللغوي إلى قرينةٍ صارفةٍ تعيِّنُ المقصودَ ، وتصحّحُ الاستعمال.
وإذا كانَ مرادُ ( الشاطبي ) من ذكر الفترة الوسطية بين الفعلين هو أنَّ إطلاقَ لفظ ( البِدعة ) هنا إطلاقٌ تسامحي ، وأنَّه من بابِ ما يُعبِّرُُ عنه بالقول : ( فلا مشاحةَ في الاصطلاح ) ، فهو مرفوضٌ أيضاً لسببين :