وهذا يدلُّ أيضاً على عدم ارتضاء أمير المؤمنين علي عليهالسلام لسيرة وسنة ( عثمان ) ، فلا يمكنُ جعلُ السنتين في عرضٍ واحد.
* ما وردَ على لسان أمير المؤمنين علي عليهالسلام من الاحتجاج في مسألة الخلافة على كلٍّ من ( أبي بكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) ، وكونه أحق بالخلافة وولاية أمرِ المسلمين منهم جميعاً ، وأنَّه إنَّما سكتَ عن حقِّه حفاظاً على وحدةِ كلمة الأُمّة ، وحقناً لدماءِ المسلمين ، وخوفاً من وقوعِ الفتنة بينَهم.
وكانَ أميرُ المؤمنينَ علي عليهالسلام يُعربُ عن عدم ارتياحه ورضاه ، وعن ألمه العميق لما صارت إليه هذهِ الأُمة من تياهٍ وضياع ، ولما حصل فيها من تصدّعٍ وانشقاق (١).
__________________
عنقَكَ ، ولم يكن مَعَ أحدٍ سيف غيره ، فخرج علي مغضباً ، فلحقه أصحاب الشورى ، فقالَ له : بايع والاّ جاهدناكَ ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان ) : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج : ١٢ ، ص : ٢٦٥.
وفيه أيضاً عن تاريخ الطبري : ( أنَّ الناس لما بايعوا عثمان تلكّأ علي عَليهِ السلامُ ، فقالَ عثمان : ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّما يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ وَمَن أَوفى بِما عاهَدَ عَلَيهُ اللّهَ فَسَيُؤتيهِ أَجراً عظِيماً ) ( الفتح : ١٠ ) ، فرجع عليٌّ عَليهِ السلامُ حتى بايعه وهو يقولُ : خدعة وأيُّ خُدعةٍ )؟ : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج : ١٢ ، ص : ٢٦٥ ، وانظر : تاريخ الطبري ، ج : ٥ ، ص : ٤١.
(١) ومن ذلك قوله عَليهِ السلامُ عند سماعه بنبأ الشورى التي نصَّ عليها عمر قبل وفاته : ( بايع الناس لأبي بكر وأنا واللّهِ أولى بالأمرِ منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناسُ كفّاراً يضربُ بعضهم رقابَ بعضٍ بالسيف ، ثمَّ بايعَ الناسُ عمر وأنا واللّهِ أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعت مخافةَ أن يرجع الناس كفّاراً يضربُ بعضهم رقابَ بعضٍ بالسيف ، ثمَّ أنتم تريدون أن تبايعوا عثمانَ ، إذاً أسمعُ وأطيع ، إنَّ عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم ، لا يعرف لي فضلاً عليهم في الصلاح ، ولا يعرفونه لي ، كلّنا فيه شرع سواء ، وأيم اللّه! لو أشاء أن أتكلَّم ثمَّ لا يستطيع عربيُّهم ولا عجميهم ولا المعاهد منهم ولا المشرك ردَّ خصلةٍ منه لفعلت ) : انظر الحديث بتمامه في كنز العمال ، ج : ٥ ، ص : ٧٢٤ ـ ٧٢٦ ، ح : ١٤٢٤٣.
ومنها قوله عَليهِ السلامُ في بيان خلفيات موقفه ، وأهداف سكوته عَليهِ السلامُ : ( فأمسكتُ يدي حتى رأيتُ راجعةَ الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعونَ إلى محق دين محمدٍ ، فخشيتُ إن لم أنصر الإسلام وأهلَه أن أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوتِ ولايتكم التي إنَّما هي متاع أيامٍ قلائل ) : نهج البلاغة : الكتاب / ٦٢.