يأمرَ النبي الخاتَمُ صلىاللهعليهوآلهوسلم أُمتَه بأنْ تأخذَ بالسُنَّة وبخلافها في وقتٍ واحد؟ وهل يعني ذلك إلاّ الجمعَ بين المتناقضين؟ وهل يمكنُ لنا أن نصدِّقَ بحديثٍ يؤدي إلى وقوع الشريعة الإسلاميةِ في مثل هذا التناقضِ الفاحش ، وبينَ أيدينا كلامُ اللّهِ الذي ينفي فيه الاختلاف والتفاوت عن التشريع حيثُ يقولُ :
|
( أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عَندِ غَيرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلافاً كَثيِراً ) (١). |
وفي مقابلِ كلِّ هذا نرى التناسقَ ، والنظمَ ، والإحكام في أقوالِ أئمة أهلِ البيت عليهمالسلام ، على الرغم من اختلاف الظروفِ التي عاشوا فيها ، والفواصلِ الزمنيةِ الطويلةِ التي وقعت بينَ بعضهم والبعضِ الآخر ، فلو أرجعنا البصرَ فيما ورثناه من أحكامٍ زاخرةٍ ، وتعاليمَ غفيرةٍ صدرت عن أئمة أهلِ البيت عليهمالسلام ؛ لما وجدنا أيَّ لونٍ من ألوانِ التفاوتِ والاختلاف في أقوالهم وآرائهم وسلوكهم ، وهذا أدلُّ دليلٍ على عصمتهم وأهليتهم لتبليغِ الرسالة ، وحمايةِ الشرع المبين ، والاستمرارِ على خُطى الرسول الخاتَم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبما جاءَ به من قوانينَ وأنظمةٍ وأحكام. ولا غروَ في ذلك إذا ما قرنَهم رسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم بكتابِ اللّهِ العزيز الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه في ( حديثِ الثقلين ) المتقدمِ الذكر. فلأنَّهم عليهمالسلام قرناءُ القرآن الكريم ، وقد أخبرَ رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالدليل القطعي عن اقترانِهم به ، وملازمتِهم له إلى حين ورود الحوض .. فإنّا لا نجدُ أيَّ اختلاف في أقوالهم وأحكامهم ، ونجدُ أنَّ كلامَهم المقطوعَ الصدور ككلام القرآن الكريم ، يصدِّقُ بعضُه البعضَ الآخر ، ولا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.
فإن كانَ هناك خلفاءُ راشدونَ يجبُ أن يُتَّبعوا ، وتُقتفى آثارُهم ، ويُعمل بسنتهم ، فهم أئمةُ أهلِ البيت عليهمالسلام ؛ لأنَّ سُنَّتَهم سُنَّةٌ واحدة ، تكشفُ عن سُنَّة رسولِ
__________________
(١) العلواني ، طه جابر ، أدب الاختلاف في الإسلام ، ص : ٥٩ ـ ٦٠.