والمفروض انّه كان مشتغلا بتأليف الكافي في مدة عشرين سنة كما يقول النجاشي وكذلك فقد دخل بغداد معاصره أحد رجال الشّيعة بقم ، على بن بابويه القمّي والد الشيخ الصدوق ، وصاحب التآليف الكثيرة واتّصل بوكيل الناحية المقدّسة (١) ، كما أنّ الشيخ الصدوق ، نفسه ورد بغداد عام ٣٥٥ ه (٢) نعم. لقد بدأ حديث أهل البيت عليهمالسلام وروايات الشيعة ، تنتشر وتتركّز أوّلا في مركزين رئيسيين هما مدينة ( قم ) و ( الكوفة ) ، ثم صارت بغداد ملتقى هذين الطريقين للحديث إذ المحدثون كانوا يتردّدون من قم والكوفة وغيرهما ، إلى بغداد ، ويحملون معهم الأحاديث فيروونها بها ، وأحيانا كانوا يقيمون هناك.
كما وظهرت وجمعت كتب الشيعة أيضا من البلاد القريبة أو البعيدة في بغداد بنفس النّسبة التي اجتمع فيها علماؤهم. فإنّ محمد بن مسعود العيّاشي مثلا أحد أقطاب الشيعة في سمرقند ، قد كانت له مؤلّفات عديدة أتى ببعضها إلى بغداد لأوّل مرة أبو الحسن القزويني القاضي في عام ٣٥٦ ه (٣) وفي النهاية ازدهرت المكتبات الشيعية ببغداد ، ومن جملتها مكتبة أبى نصر شابور بن أردشير (٤) وزير بهاء الدولة البويهي ابن عضد الدّولة ، الّتي تأسّست سنة ٣٨١ في محلة « بين السورين » (٥) إحدى محلّات « الكرخ » في
__________________
الكافي في مجلّة آستان قدس رضوي في ادوارها الأولى والثانية.
(١) كان على بن بابويه في بغداد عام ٣٢٨ ـ اي قبل وفاته بسنة ـ كما في رجال النّجاشي ص ١٩٩ ، وعلى رأي الشيخ الطوسي في رجاله ص ٤٨٢ ورد بغداد سنة تناثر النجوم ، أي في نفس سنة ٣٢٩ التي توفّي فيها ، وسمع منه « التلعكبري » فيها.
(٢) رجال النّجاشي ص ٣٠٣. وقد كان الصدوق في بغداد عام ٣٥٢ ه أيضا وسافر في هذه الأثناء أسفارا إلى الكوفة وهمدان ومكة ، فلاحظ مقدمة بحار الأنوار ج ١ ص ٣٦ لصديقنا المجاهد العلامة الشيخ عبد الرحيم الرّباني الشيرازي رحمهالله تعالى ، ولنا ترجمة مطولة عن الصدوق في مقدمة كتاب « المقنع » للصدوق.
(٣) يقول العلامة الحلي في « الخلاصة » ص ١٠١ في ترجمته : « قدم بغداد سنة ست وخمسين وثلاثمائة ومعه من كتب العيّاشي قطعة ، وهو أوّل من أوردها بغداد ورواها .. ».
(٤) يقول عنه ابن الأثير في تاريخه الكامل ج ٧ ص ٣٢٤ : « كان كاتبا سديدا وقد أسّس مكتبته عام ٣٨١ ه ، وجمع فيها أكثر من عشرة آلاف كتاب .. » وجاء في هامش هذا الكتاب ، أنّ هذا الرّجل تولّى الوزارة لبهاء الدولة ثمّ لمشرف الدولة ثلاث مرّات. وكان رجلا عفيفا ، محسنا ، سليم النّفس ، حسن المعاشرة ، الّا أنه كان سريع العزل لعماله حتى لا يبتلوا بالترف والإفراط في العيش. وقد وقف على مكتبته أوقافا وأملاكا وتوفي عام ٤١٦ ه عن عمر يقارب التسعين.
(٥) كانت بغداد الأصلية تسمّى « مدينة السّلام » واقعة على الضفة الغربية من « دجلة » قريبة من