عليه يعتقد بأنّ النّجاشي في كتابه هذا لم يغفل عن تصحيح أغلاط صدرت عن الشيخ في فهرسته من دون أن يصرّح بذلك أو يسمي الشيخ ، فأتى بوجه الصواب. وإنّى وقفت على مواضع من هذا القبيل حيث إنّ المقايسة بين الكتابين وسياق تعبير النجاشي يسجل صدق كلام الأستاذ وإصابة رأيه. (١) ولا شبهة في أنّ النّجاشي أشدّ تضلّعا وأكثر تعمّقا في علم الرجال من معاصره الشيخ الطوسي بل يعتبر هذا العلم من اختصاصه بالذّات. وقد كان من أهالي الكوفة وبغداد ، وله معاشرة قديمة مع العائلات في البلدين ومعرفة كاملة بالعائلات الشيعية وإحاطة بدقائق أمورهم ، وأنسابهم حيث يسمي آباء الرّجال بالضبط على عدّة وسائط ، وقد أدرك ورأى في طفولته بعض الشيوخ المتقدمين أمثال التلعكبري. (٢)
__________________
النّجاشي في أوّل الجزء الثاني عن كتابه هذا يعطي أنه أراد الجمع بين الأمرين إلّا أنه قدم الهدف الأوّل أي الفهرست على الثاني. ثم إنّ المفهرسين المتأخرين كصاحبي كشف الظنون والذريعة وكثير غيرهما ، رتّبوا كتبهم بحسب ترتيب أسامي الكتب ، في حين أنّ المتقدمين مثل ابن النّديم والطوسي والنّجاشي رتّبوها بحسب أسامي المؤلّفين ، فكانوا يبدءون بالتعريف بالمؤلّف ثم يذكرون كتبه. إلّا أن هناك فرقا بين ابن النديم وغيره ، فقد قسّم ابن النديم الّذي ألف فهرسته عام ٣٧٧ ه أي قبل النّجاشي والطوسي بأكثر من خمسين سنة إلى أقسام بحسب العلوم والفنون.
وجريا على ذلك اضطرّ إلى تسمية بعض المؤلفين في بابين أو أكثر لكونه ذا فنون عدة ، وقد ألف في كل منها كتابا. على أنّ هناك فارقا آخر بين ابن النديم وغيره ، وهو أنّه جمع في كتابه أسماء كتب جميع الفرق حتى غير المسلمين ، في حين أنّ النّجاشي والطوسي لم يرتّبا كتابيهما بحسب الموضوعات والفنون. ولم يتعرضا الّا للمصنفين من الشيعة الإمامية أو من له اتصال وارتباط بهذه الطائفة بوجه من الوجوه.
(١) فمن باب المثال ، يقول الشيخ الطوسي في الفهرست ص ٢٠٤ في ترجمة هشام بن الحكم : « كان هشام يكنى أبا محمد وهو مولى بني شيبان ، كوفي تحوّل إلى بغداد .. » ويقول النّجاشي في رجاله ص ٣٣٨ : « هشام بن الحكم أبو محمد مولى كندة ، وكان ينزل في بني شيبان بالكوفة انتقل إلى بغداد سنة ١٩٩ .. ».
ومثله كثير وقد قلنا إنّ النّجاشي ألّف كتابه بعد الشيخ وذكر الشيخ الطوسي وكتبه ومنها الفهرست في رجاله ، فلا بدّ وأن يكون الفهرست ، مرجعا له وملحوظا عنده حال التأليف.
(٢) يقول النّجاشي في الرجال ص ٢٩٢ في ترجمة الكليني : « .. كنت أتردّد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ، وهو مسجد « نفطويه النّحوي » أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرءون كتاب الكافي على أبى الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب ، حدثكم محمّد بن يعقوب الكليني .. » ويقول فيه ص ٣٠٨ في ترجمة هارون بن موسى التلعكبري المتوفى عام ٣٨٥ ه : « كنت أحضر داره مع ابنه أبي جعفر والنّاس يقرءون عليه .. » وعليه فقد رأى النّجاشي التلعكبري ولم يرو عنه ، كما أنّه أدرك أبا المفضّل الشيباني الشيخ الكثير الرواية ( ٢٩٧ ـ ٣٨٧ ه ) وسمع منه ، وقد كان الشيباني في ذاك الوقت عالي الإسناد يروي عن محمّد بن جرير الطبري المتوفى عام ٣١٠ ه. فلاحظ رجال النّجاشي ص ٢٨٢.