هل إنه ولد في طوس أو في بلد آخر؟
هل هو من أهل النّاحية الكبيرة من طوس « نوقان » التي تحوّلت فيما بعد إلى مدينة « مشهد » المقدسة العظيمة ، أم هو من ناحية « طابران » المعبّر عنها حاليّا ب « شهر طوس » أى مدينة طوس ، والّتي كانت محلّ ولادة ومرقد الشاعر الحماسى الكبير « الفردوسي » ، أو كان من ناحية أخرى في طوس؟
هل كانت عائلته من أهل طوس ومن طبقة العلماء ورجال الدّين هناك؟
من هم أساتذته ومشايخه في تلك الديار؟
وهل أقام أثناء هجرته إلى بغداد في مدينة؟ في أي من المدن العلمية آن ذاك ، مثل « نيسابور » و « الري » و « قم » أم لا؟
وفعلا لا نستطيع الإجابة على شيء من هذه الأسئلة. والقدر المسلّم لدينا هو أنّ الشّيخ الطوسي كان ينسب إلى « طوس » ، وقبل قدومه إلى بغداد كان قد قطع شوطا بعيدا في الحصول على المقدّمات العلميّة التي يحتاج إليها طالب العلم. لأنه بمحض وصوله الى بغداد بدأ مباشرة جهوده العلميّة ، وأخذ يحضر عند الأساتذة الكبار ، كالشّيخ المفيد ، كما أنّه شرع حين ذاك بتأليف كتابه الكبير في الحديث « تهذيب الاحكام » بما فيه من البحوث الفقهيّة والأدبيّة الّتي سنتعرض لها فيما بعد. فليس لنا إلّا الاعتراف بأنّه كان مؤهّلا بحسب الحصيلة العلميّة التي كانت عنده لدى وروده بغداد لدراسة المرحلة النّهائية من العلوم العقليّة والنقليّة. وفي رأينا أنه لو كان للشّيخ الطوسي مشايخ مشهورون قبل الهجرة إلى بغداد ، لكان ذكرهم في آثاره وكتاباته ، مع العلم بأنّه لم يذكر شيئا عن علماء تلك الدّيار ، حتى عن والده ـ لو فرض أنه كان من أهل العلم وأخذ عنه الشيخ.
نعم ، نجد أنّ العلّامة الطّهراني صاحب كتاب « الذريعة إلى تصانيف الشيعة » قد أشار إلى أن « أبا زكريّا محمد بن سليمان الحرّاني » ( أو حمدانى ) كان أحد مشايخه ، وتابع في كلامه : « إنه من أهل طوس والمظنون أنه من مشايخه قبل هجرته إلى العراق (٢) » وهذا القول ليس الّا مجرّد احتمال ، فمجرّد نسبة هذا الرجل أي محمد بن سليمان ، إلى طوس غير كاف
__________________
الطوسي نفسه في كتابه « الفهرست » ص ١٨٨ وفي سائر كتبه من دون التصريح بولادته بطوس. وأمّا العلامة الحلّي فقال في « خلاصة الأقوال » ص ١٤٨ : « ولد قدّس الله روحه في شهر رمضان سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وقدم العراق في شهور سنة ثمان وأربعمائة .. » فهو أيضا لم يشخص محل ولادة الشيخ.
(٢) مقدمة التبيان ص أي