شرعية عن حق مخصوص يؤخذ من أهل الكتاب ليقروا على دينهم ، كما أن المأخوذ من أموال المسلمين على جهة الطهر يسمى زكاة ، وكلاهما اسم شرعي.
والمعنى ان ذلك إذا أدوه أغنى عنهم ، لاجتزاء للمؤمنين لهم منهم والابقاء به على دمائهم ، مأخوذة من قولهم ( هذا الشئ يجزي عن فلان ) أي يغني عنه ويكفي.
وقد طعن الدهرية في أمر الجزية وأخذها وابقاء العاصي على كفره لهذا النفع اليسير من جهته ، فكأنه إجازة الكفر لأجل الرشوة المأخوذة من أهل الذمة.
الجواب : لم تؤخذ الجزية للرضا بالكفر. وفيه وجه حسن ، وهو أن ابقاءه أحسن في العقل من قبله ، لان الفرض بتكليفه نفعه ، وهو ما دام حيا فعلى حد الرجاء من التوبة والايمان ، بأن يتذكر ما غفل عنه ، وإذا قتل فقد انقطع الرجاء. وهم أهل الكتاب يوحدون الله باللسان ، بخلاف الكافر الحربي فان الحكمة تقتضي قتله الا أن يسلم. وإذا أخذ الجزية من هؤلاء وبقوا ربما يكون سببا للايمان ، وذو النفس الدنية ربما يفادي من ذهاب المال عنه الدخول في الدين. وفيه منفعة المؤمنين جملة وعلى أهل الذمة إهانة ، فالطعن ساقط.
( فصل )
قيل : ان قوله تعالى ( وقولوا للناس حسنا ) (١) نزلت في أهل الذمة ، ثم نسخها قوله ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) (٢) ، فأوجب الجزية على أهل الكتاب من الرجال البالغين.
والفقير الذي لا شئ معه يجب عليه الجزية ، لأنه لا دليل على اسقاطها منه ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٨٣.
(٢) سورة التوبة : ٢٩.