فان قيل : كيف قال ( إلى الكعبين ) ، وعلى مذهبكم ليس في كل رجل الا كعب واحد.
قلنا : انه تعالى أراد رجلي كل متطهر ، وفي الرجلين كعبان ، ولو بنى الكلام على ظاهره لقال ( وأرجلكم إلى الكعاب ) ، والعدول بلفظ ( أرجلكم ) إلى أن المراد بها رجلا كل متطهر أولى من حملها على كل رجل.
( فصل )
ان قيل : القراءة بالجر في ( أرجلكم ) ليست بالعطف على الرؤوس في المعنى ، وانما عطف عليها على طريق المجاورة ، كما قالوا ( جحر ضب خرب ) وخرب من صفات الجحر لا الضب.
قلنا : أولا ان العرب لم تتكلم به الا ساكنا فقالوا ( خرب ) فإنهم لا يقفون الا على الساكن ، فلا يستشهد به. وبعد التسليم فإنه لا يجوز في الآية من وجوه : أحدها ـ ما قال الزجاج ان الاعراب بالمجاورة لا يكون مع حرف العطف ، وفي الآية حرف العطف الذي يوجب أن يكون حكم المعطوف حكم المعطوف عليه ، وما ذكروه ليس فيه حرف العطف ، فأما قول الشاعر : فهل أنت ان ماتت أتانك راحل * إلى آل بسطام بن قيس فخاطب ١ قالوا : جر مع حرف العطف الذي هو الفاء ، فإنه يمكن أن يكون أراد الرفع وانما جر الراوي وهما ، ويكون عطفا على راحل ، فيكون قد أقوى (٢) لان القصيدة مجرورة. وقال قوم : أراد بذلك الامر وانما جر لاطلاق الشعر.
والثاني ـ ان الاعراب بالمجاورة انما يجوز مع ارتفاع اللبس ، فأما مع
__________________
(١) نسب البيت إلى جرير ولم تثبت النسبة.
(٢) الاقواء في العروض ، ان يجئ بيت في القصيدة مرفوعا وبيت آخر مجرورا ( هـ. ج ).