مفردة عن الذكر والذكر عبادة أخرى ، فلا يتبع الكون الذكر كما لا يتبع الذكر لله في عرفات الكون في ذلك المكان والوقوف به ، لان الذكر بعرفات مستحب والوقوف بها واجب بلا خلاف. على أن الذكر لو لم يكن واجبا فالشكر لله على نعمه واجب على كل حال ، وقد أمر الله أن يشكر عند المشعر الحرام ، فيجب ان يكون الكون بالمشعر واجبا.
فان قيل : ما أنكرتم من أن يكون المشعر ليس بمحل للشكر وإن كان محلا للذكر وان عطف الشكر على الذكر.
قلنا : الظاهر بخلاف ذلك ، عطف الشكر على الذكر يقتضي تساوى حكمهما في المحل وغيره ، وليس في الآية ذكر الشكر صريحا ، ولكن الذكر الأول على عمومه والذكر الثاني مفسر بالشكر ، لقرينة قوله ( كما هداكم ) فالهداية نعمة واجب الشكر عليها ، لان الشكر على كل نعمة واجب. وعلى هذا لا تكرار مستقبحا في الكلام أيضا.
( فصل )
( ثم ليقضوا تفثهم ) فالتفث مناسك الحج من الوقوف والطواف والسعي ورمي الجمار والحلق بمنى والاحرام من الميقات.
عن ابن عباس التفث جميع المناسك. وقال قوم التفث قشف الاحرام وقضاؤه بحلق الرأس والاغتسال ونحوه. وقال الأزهري في كتاب تهذيب اللغة التفث في كلام العرب لا يعلم الا من قول ابن عباس (١). وقيل التفث الدرن ، ومعنى قوله ( ثم
__________________
(١) نقل الجاحظ في الحيوان ٥ / ٣٧٦ قول أمية بن أبي الصلت :
شاحين آباطهم لمن ينزعوا تفثا |
|
ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا |
وهذا البيت حجة على من يقول من اللغويين بأن لفظة ( التفث ) لم ترد في كلام العرب ولم يعلم معناها الا من قبل المفسرين.