( فصل )
وأما قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) (١) آي نصرفها مرة لفرقة ومرة عليها ، ليمحص الله المؤمنين بذلك من الذنوب ويخلصهم به ويهلك الكافرين بالذنوب.
فان قيل : لم جعل الله مداولة الأيام بين الناس وهلا كانت أبدا لأولياء الله؟.
قلنا : ذلك تابع للمصلحة وما تقتضيه الحكمة أن يكونوا تارة في شدة وتارة في رخاء ، فيكون ذلك داعيا لهم إلى فعل الطاعة واحتقار الدنيا الفانية المنتقلة من قوم إلى قوم حتى يصير الغني فقيرا والفقير غنيا والنبيه خاملا والخامل نبيها ، فتقل الرغبة حينئذ فيها ويقوى الحرص على غيرها مما نعيمه دائم.
والمراد بالأيام أوقات الظفر والغلبة. ( نداولها ) أي نصرفها بين الناس ، نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، كقوله :
فيوما علينا ويوما لنا |
|
ويوما نساء ويوما نسر |
وفى أمثالهم ( الحرب سجال ).
( وليعلم الله الذين آمنوا ) فيه وجهان :
أحدهما أن يكون المعلل محذوفا ، معناه واستمر التائبون على الايمان من الذين على حرف فعلنا ذلك ، وهو من باب التمثيل ، يعنى فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الايمان منكم من غير الثابت ، والا فالله لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها.
والثاني أن تكون العلة محذوفة ، وليعلم عطف عليه ، معناه وفعلناه ذلك ليكون كيت وكيت ونعلمهم علما ، فتعلق به الجزاء ، وهو أن نعلمهم موجودا منهم الثبات ،
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٤٠.